
الامتياز مقابل الوطن: كيف يُفتت الاحتلال الوعي الفلسطيني عبر الطبقية والتصاريح؟ بقلم : د. عمر السلخي
من خدمات VIP على الجسر إلى تصاريح BMC… الاحتلال يعيد تشكيل المجتمع الفلسطيني من الداخل
الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة… بل يعيد ترتيبنا داخليًا
الاحتلال الإسرائيلي لم يعد فقط جنديًا على حاجز، أو مستوطنًا يسرق الأرض. بل بات مشروعًا متكاملًا لتفتيت المجتمع الفلسطيني على المستويات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والنفسية.
ومن أخطر أدواته في هذا المشروع: خلق طبقات داخل الشعب الفلسطيني، عبر امتيازات وتصاريح وممرات خاصة، تجعل الفلسطيني يقارن نفسه بالفلسطيني، لا بالمحتل، ويشعر أن “النجاة الفردية” أفضل من “الكرامة الجماعية”.
خدمات VIP على الجسر: العبور المشروط بالامتياز
تحوّل “جسر الكرامة” من نقطة عبور وطنية إلى نقطة تصنيف اجتماعي وسياسي.
خدمة VIP ليست فقط تسهيلًا إداريًا، بل أصبحت رمزًا للفصل الطبقي الجديد:
من يستطيع دفع ثمنها أو يعرف “الجهات الصحيحة” يمر بكرامة، أما البقية فيقفون في الطوابير الطويلة، في انتظار المذلة.
أصبحت “خدمة” تُمنح وتُسحب بحسب “الرضا الأمني”.
هي أداة إسرائيلية واضحة لتحويل معاناة العبور إلى سوق للامتياز والتمييز.
ما يُمارس على الجسر ليس تنظيمًا، بل إهانة منظّمة وتفريق متعمد بين الفلسطينيين أنفسهم.
تصاريح BMC وتصاريح متعدده المستويات: اختراع طبقات من الفلسطينيين
إلى جانب VIP، هناك منظومة تصاريح أكثر خطورة:
تصريح BMC” مثلًا، يُمنح لشخصيات رسمية أو مرموقة من الضفة لدخول مناطق الـ48 بسهولة.
لكن خلف هذا التصريح البسيط تكمن سياسات معقدة:
فرز الناس إلى “مسموح” و”ممنوع”، بناءً على معايير أمنية مشكوك بها.
ربط حرية الحركة بالرضا السياسي.
خلق شعور لدى المواطن أن كرامته ترتبط ببطاقة، لا بانتمائه.
تصاريح العمل، العلاج، التعليم، حتى “تصاريح الحداد” باتت أداة تحكم بحياة الفلسطيني اليومية.
وهكذا يصبح الاحتلال “مُنظّم الحياة”، لا مغتصبها فقط.
الهدف الأبعد: خلق فجوات… وقتل التضامن الداخلي
هذه السياسات لا تهدف فقط لتسهيل السيطرة، بل لتفتيت المجتمع الفلسطيني ذاتيًا:
الفجوة بين من يملكون التصاريح ومن لا يملكونها.
من يعبرون المعابر ومن يُحتجزون عندها.
من يحصلون على تحويلة علاج في الداخل، ومن يُتركون للموت.
يُعاد تعريف النجاح لا بالتحرر من الاحتلال، بل بإرضاء شروطه.
والخطر الأكبر أن يبدأ الفلسطينيون بالنظر لبعضهم البعض كـ”محظوظ” و”محروم”، لا كرفاق في القضية.
سياسات مشابهة: إدارة الانقسام كاستراتيجية احتلالية
ما تفعله إسرائيل عبر VIP وBMC وغيرها، ليس منفصلًا عن سياسات أخرى تهدف لخلق طبقية نفسية ومجتمعية:
الفصل بين فلسطينيي الداخل والضفة والقدس والشتات.
ترويج “النجاة الفردية” بدل التحرر الجماعي.
دعم نماذج اقتصادية تعتمد على الامتياز بدل الحقوق.
في هذا المشهد، يصبح الفلسطيني الغاضب من زميله الذي يملك تصريحًا، أكثر من غضبه من الاحتلال الذي يفرض هذه المنظومة أصلاً.
الرد المطلوب: وعي طبقي وطني… وتفكيك امتيازات الاحتلال
لا يكفي أن نغضب من هذه السياسات، بل علينا تفكيكها وفضحها، عبر:
رفض الامتيازات التي تمنحها إسرائيل مقابل السكوت أو التواطؤ.
إحياء قيم التكافل والعدالة داخل المجتمع الفلسطيني.
بناء وعي جديد يرى في هذه الأدوات أدوات احتلال، لا تسهيلات.
المطالبة بحرية حركة شاملة كحق وطني، لا كامتياز فردي.
الكرامة لا تُشترى بخدمة VIP
الوطن لا يُختصر في ممر سريع أو تصريح خاص.
الكرامة ليست في تجاوز الحاجز، بل في إزالة الحاجز.
والفلسطيني الذي يقف في الطابور ساعتين، ليس أقل من آخر يعبر في خمس دقائق.
بل لعل الأول أكثر وفاءً لقضية أرادوا أن يُجزئوها حتى في طوابير العبور.
فهل ننتبه إلى ما يُفعل بنا من الداخل… قبل أن نصبح أدوات في هندسة الاحتلال الاجتماعية؟