
حين يُصبح الخبز أملًا مؤجلًا .. فهل يخجل المفاوضون من جوعنا؟ بقلم : الصحفي سامح الجدي
الطحين .. ذاك المسحوق الأبيض، صار بعيدًا كالحلم، موصدًا في مخازن السياسة ومقايضات الطامعين.
رغيف الخبز، الذي كان يومًا جزءًا من روتين الصباح، غدا رمزًا للذل أو أمنيةً صغيرة تردّدها شفتا طفلٍ قبل النوم.
أمهات يُسابقن الوقت ليُطفئن نار البطون الخاوية، وآباء يحبسون دمعهم خشية الانكسار، وموائد صامتة لم تعرف الطهي منذ أيام، سوى رائحة القلق ووجع الانتظار.
صرنا نعدّ الأرغفة قبل الكلمات، ونقيس أعمارنا بعدد ما تبقى من أكياس الدقيق.
في الخيام، لا حديث عن السياسة، ولا متّسع لمناقشة بيانات المنتصرين.
في الخيام .. كل شيء متوقف على “كيس طحين”، كل شعور معلق على رغيفٍ يسدّ الجوع، وكل حلمٍ يبدأ وينتهي عند مائدة فارغة.
أيها المفاوضون خلف الأبواب المغلقة، أما طرق هذا الجوع أبواب ضمائركم؟
ألا ينهشكم الخجل وأنتم تحصون أوراق الاتفاق بينما شعوبكم تحصي الأرغفة؟
هل من بين ملفاتكم بندٌ عن الحليب المنقطع، أو الدقيق المسروق، أو عن المائدة التي تنتظر بلا جدوى؟
هل علمتم أن الطحين هنا بات عملةً نادرة، وأن الخبز صار يُشبه الأمل: نراه، ننتظره، لكن لا نلمسه؟
هل رأيتم طفلًا يبكي من الجوع لا من الألم؟
هل سمعتم أمًّا تكتم صرختها كي لا توقظ الجائعين؟
نحن لا نطلب امتيازًا، بل لقمةً تحفظ الكرامة، لا نرجو رفاهية، بل حياةً لا تُنتزع منا بين بندٍ وبند.
فهل الطحين عندكم من الكماليات، أم أن الجوع لم يصل قصوركم بعد؟
أنصتوا لنا .. نحن شعب لم يعد يطلب كثيرًا.
يكفينا رغيف .. وماء .. وكرامة.
أما إن ضاقت بنا الحياة ولم يأتِ الفرج، فوالله إن الشعوب التي تُذل في خبزها، تعرف كيف تكتب مصيرها من جديد ..
لا على أوراق التفاوض، بل في ساحات لا تعرف المجاملة.