1:44 مساءً / 23 يوليو، 2025
آخر الاخبار

بينما تشتد وطأة التجويع، يبرز مخطط جديد للتهجير ، بقلم : د. ماهر الشريف

بينما تشتد وطأة التجويع، يبرز مخطط جديد للتهجير ، بقلم : د. ماهر الشريف

في مواجهة أزمة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة، دقّ اثنان من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة ناقوس الخطر. “ما يقرب من 30 طفلاً يُقتلون يومياً”، هذا هو الرقم المروع الذي أعلنته يوم الأربعاء، في 16 تموز/يوليو الجاري، كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لـ “اليونيسف”، وأضافت، في كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي، “تخيلوا ذلك: إن فصلاً دراسياً كاملاً يُباد يومياً، منذ ما يقرب من عامين”.

تحدثت بوضوح “عن مأساة مليون طفل فلسطيني يعيشون دون مياه صالحة للشرب، ودون رعاية، ودون مأوى، وغالباً دون عائلة؛ إن الأطفال ليسوا لاعبين سياسيين، إنهم لا يشنون الحروب ولا يمكنهم إيقافها، لكنهم يعانون بشدة من عواقبها، ويتساءلون لماذا تخلى عنهم العالم، ويجب أن نقولها بوضوح: نحن تخلينا عنهم، نحن نخون أطفال غزة، ومن خلال عيونهم، فإن تقاعسنا هو خيانة لحقهم في أن يكونوا أطفالاً، والتاريخ سيحكم علينا بشدة، والأطفال أيضاً”. أما توم فليتشر، المسؤول عن الشؤون الإنسانية في المنظمة، فقال: “الغذاء ينفد؛ أولئك الذين يبحثون عنه يتعرضون لخطر القتل، الناس يموتون وهم يحاولون إطعام أسرهم”، وعبّر عن استغرابه من تصريحات مسؤولين إسرائيليين وصفوا المجاعة بأنها “مبررة وأخلاقية طالما لم يتم إطلاق سراح الرهائن”، وأضاف: “إن استخدام المجاعة عمداً وسيلة حرب يشكّل بالطبع جريمة حرب” .

بينما يموت الأطفال جوعاً، وتكافح الأمهات الفلسطينيات للعثور على حليب الأطفال وسط نقص مستمر له، وخصوصاً الحليب المخصص للأطفال الخدج، تقوم قوات الأمن الإسرائيلية على المعابر بمصادرة علب حليب الأطفال المجفف. هذا ما حصل في أواخر حزيران/يونيو الفائت مع طبيب أميركي كان يستعد للذهاب إلى قطاع غزة في مهمة طبية. كانت حقائبه مليئة بعلب حليب الأطفال المجفف، والشاش، والضمادات، والفوط الصحية، لكن بينما كان لا يزال في عمّان، نقطة التجمع الإلزامية للبعثات الطبية الأجنبية إلى قطاع غزة، حثّته زميلته الفلسطينية الألمانية ديانا نزال، وهي جراحة عيون منسقة للقافلة الطبية، على تخفيف أمتعته، وأوضحت له قائلة: “إن حمل الإمدادات الطبية فقط وعدم وجود متعلقات شخصية يعني المخاطرة بإعادته، أو حتى تعريض البعثة بأكملها للخطر”. اتّبع الطبيب الأميركي تعليماتها وقلّص كمية حليب الأطفال في حقيبته إلى ثلاث علب، ولكن عند وصوله إلى جسر “اللنبي”، فتش حراس الأمن الإسرائيليون متعلقاته الشخصية، وصادروا علب الحليب الثلاث، فاشتكت ديانا نزال قائلة: “صُودرت علب حليب الأطفال! ما تفسير هذا سوى أن الجوع يُستخدم كسلاح حرب في الإبادة الجماعية المستمرة؟” .

“مصائد الموت” تنتظر من يسعى إلى طرد غذائي

“مصائد الموت” هي الصفة التي صارت تطلق على مراكز توزيع المساعدات التي أقامتها “مؤسسة غزة الإنسانية”، المدعومة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي صار يستشهد بقربها العشرات من الغزيين وهم يسعون للحصول على طرود غذائية. وقال شاهد عيان لوكالة “فرانس برس” إنه “ذهب قبل الفجر مع خمسة من أفراد أسرته للبحث عن الطعام في أحد هذه المراكز، عندما بدأ الجنود الإسرائيليون في إطلاق النار”. وأضاف عبد العزيز عابد، 37 عاماً: ”لم نتمكن من الحصول على أي شيء، وأنا أذهب إلى هناك كل يوم، وكل ما نحصل عليه هو الرصاص”.

ورداً على استفسار من الوكالة الفرنسية، قال متحدث باسم جيش الاحتلال إنه “تمّ رصد مشتبه بهم في منطقة رفح اقتربوا من الجنود، ولم يستجيبوا لنداءات مغادرة المكان، فقام الجنود بإطلاق النار تحذيراً”، مشيراً إلى أنه “تلقى معلومات عن وقوع ضحايا”! .


أما رامي، وهو أب لأسرة يعيش في خيمة في مدينة غزة، مع زوجته وطفليه، فقد سار عدة ساعات في محاولة للحصول على الطعام، ونام في العراء في انتظار توزيع المساعدات المعلن عنه في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي، لكنه لم يتمكن من الحصول على طرد غذائي، جراء شروع جيش الاحتلال في قصف المنطقة المجاورة للموقع وإطلاق النار عليهم، ما أجبره، وأجبر من معه، على العودة إلى منازلهم، كما نقل موقع “لافي” الفرنسي عن زوجته سماح، التي كتبت في رسالة: “هذه الطريقة مهينة لنا نحن سكان غزة؛ أنا متعبة، لم يتبق لنا سوى الأرز والعدس، لقد نفدت جميع المعلبات، نحن جائعون، أشرب الشاي من دون سكر طوال اليوم وأتناول طبقاً واحداً من العدس، أحاول أن أحتفظ بأكبر قدر ممكن للأطفال، أحاول ملء معدتي بالماء حتى لا أشعر بالجوع”.

وأضافت هذه السيدة التي تعيش مع عائلتها في خيمة في مدينة غزة، أنها قد لا تأكل شيئاً طوال اليوم: “لم يعد لدي أي شيء، لا أعرف ماذا سنفعل”، وهي الآن تخشى كل ليلة من اليوم التالي: “أطفالي نائمون الآن، لكنهم سيستيقظون ويسألون عما سنأكل”، تقول بقلق، “أنا أستطيع تحمل الجوع، لكن أطفالي لا يستطيعون؛ من الصعب جداً أن يقولوا لك أمي، أريد أن آكل، ولا يكون لدي ما أعطيهم! هذا صعب جداً عليّ. الآن، أنا أدعو الله أن يميتني، وأطلب منه أن يفعل شيئاً، لأن الموت ربما يكون أفضل”.

وقد أدان المفوض العالم لوكالة “الأونروا” فيليب لازاريني هذه “الآلية الجديدة المسماة المساعدة الإنسانية”، معتبراً أن ما تقوم به “مؤسسة غزة الإنسانية” يمثّل “فظاعة وإهانة وذلاً للأشخاص الذين يعانون من محنة، إنها فخ مميت، يكلف أرواحاً أكثر مما ينقذ”. وفي كلمة ألقاها في اسطنبول أمام وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، اتهم لازاريني المجتمع الدولي بالسلبية المذنبة: “هذه المأساة هي نتيجة عشرين شهراً من الرعب والتقاعس والإفلات من العقاب”.

وذهبت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينة المحتلة، إلى أبعد من ذلك في رسالة نشرت في 22 حزيران/يونيو الفائت، وورد فيها “أن تكليف الدولة المتهمة بالإبادة الجماعية والمجاعة بـتوزيع المساعدات أمر سخيف ومشين، إنه إهانة للكرامة الإنسانية”. ولخّص جوناثان ويتال، رئيس المكتب الإنساني للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. الوضع قائلًا: “ما نشهده هو مذبحة، إنه جوع يُستخدم كسلاح، إنه تهجير قسري، إنه حكم بالإعدام على من يحاولون ببساطة البقاء على قيد الحياة؛ إن هذه الحقائق مجتمعة تُعطي انطباعاً بأن هذا هو ببساطة محو للحياة الفلسطينية في غزة” .

“الرسالة واضحة: لن تأكل إلا إذا انحنيت”

في شهاداتها التي تنشرها صحيفة “ليبراسيون” الباريسية، تروي نور جرادة، الأخصائية النفسانية العاملة مع “منظمة أطباء العالم”، حياتها اليومية في القطاع الفلسطيني، فتكتب، في 26 حزيران/يونيو الفائت: “أود أن أحدثكم عن الحياة، عن النور، عن قصص الأمل والجمال، لكن الجوع حاصرنا لأشهر كالقنابل، ربما تعرفون هذا بالفعل، أو ربما لا تريدون أن تعرفوا؛ بعد أشهر من الحصار الشامل والحرمان المتعمد، أصبح الخبز والدقيق والدواء آخر مراسينا للحياة، لكن هنا، بلغت القسوة ذروتها، إذ تحولت المساعدات إلى سلاح حرب، لم تعد لفتة إغاثة، بل مصدر إذلال… الرسالة واضحة لا لبس فيها: لن تأكلوا إلا إذا انحنيتم، لن ينجوا أطفالكم إلا إذا انحنيتم لليد التي جوعتكم”. وتضيف الطبيبة نفسها: “يبدو الأمر أشبه بنقاط تفتيش مسلحة؛ جنود، بنادقهم في أيديهم، يقررون من سيأكل ومن سيجوع؛ ومع ذلك، حتى ونحن على شفا المجاعة، نرفض الاستسلام للذل، لن تكون حياتنا رحمةً تُطلب من أولئك الذين أرادوا تحطيمنا” .

كيف يكون الجوع؟

هذا هو السؤال الذي طرحه على نفسه الصحافي محمد مهاوش ، الذي يصف مظاهر هذا الجوع، فيكتب:
“يسير الناس في الشوارع المدمرة بحثاً عن الطعام أو الحطب أو أي شيء يمكن أن يساعد عائلاتهم على البقاء، لا يوجد غاز، ولا كهرباء، وبالكاد يوجد ماء. نفد القمح، يطحن الناس الشعير والذرة المخصصة لعلف الحيوانات إلى دقيق، حتى هذا الدقيق نادر. نفد غاز الطهي منذ زمن طويل، يبحث الناس الآن بين الأنقاض عن الخشب: الأبواب القديمة، والأثاث المكسور، وأي شيء قابل للاشتعال، تحترق النيران في الأزقة، تاركة رائحة كريهة على كل شيء: الشعر، والجلد،

والملابس”. أسيل عفانة، أم من جباليا، “تنظر إلى وجه ابنتها كل يوم وتشعر بألمٍ شديد لعجزها عن إعطائها ما يكفيها من الطعام أو الحليب الصناعي”.

تقول أسيل، التي لا تتذكر آخر يوم شعرت فيه ابنتها بالشبع: “كل ليلة تقريباً، تبكي سيلا، التي تبلغ من العمر 14 شهراً فقط، من الجوع”. يرتجف صوت أسيل وهي تصف جهودها لحماية ابنتها الصغيرة، رغم أن الأمان، كما تشير، غائب في غزة. “أشعر بالضعف والعجز، والعالم يراقبنا نموت…إن حياتنا لا تهم كثيراً”.

ويضيف الصحافي نفسه: “في جميع أنحاء قطاع غزة، لا يقتصر الجوع على المطابخ الفارغة؛ إنه واضح في الأذرع الهزيلة، والبطون المنتفخة، والخدود الغائرة. يمشي الناس منحنين من التشنجات، جلد الأطفال يتشقق من الجفاف، تفقد العيون بريقها؛ وفوق كل شيء: أزيز الطائرات المسيرة المستمر، وأزيز المدفعية الحاد؛ لقد عرفت الجوع: الفراغ المؤلم، والدوار، والألم الممل في جسدي، لكن ما أشهده اليوم في غزة ليس جوعاً، إنها مجاعة؛ الجوع شعور، المجاعة سلاح، الجوع يُضعفك، المجاعة تُستخدم لكسرك” .

“بلغ الجوع حداً جعلنا نفكر في أكل أوراق الشجر”

هذا ما صرّح به همام يونس الصحافي الغزي لموقع “20 دقيقة” الفرنسي حول الحياة اليومية في القطاع المنكوب، وتابع قائلاً: “الحياة اليومية صعبة للغاية، لقد اعتدنا على ظروف مروعة، لكننا الآن نعاني من الأسوأ؛ على سبيل المثال، لم يكن لديّ اليوم ما آكله سوى قطعة خبز متعفنة، تناولتها مع كوب من الماء وقليل من الزعتر”. وعن سؤال: “كيف يبدو يومك العادي؟”، أجاب: “أستيقظ كل صباح، متفاجئاً بأنني ما زلت على قيد الحياة بعد ليلة مليئة بالقصف والانفجارات العنيفة؛ نستيقظ بانتظام على أصوات الطائرات المقاتلة والانفجارات، ثم نقرأ الأخبار ونكتشف أننا فقدنا المزيد من الأصدقاء. نذهب لدفنهم، ثم نبدأ عملنا كصحافيين ونغطي آخر الأحداث: أطفال محاصرون تحت الأنقاض، جرحى يتدفقون إلى المستشفيات، بعضهم يبكي من الألم، وآخرون يعانون من الجوع…أحياناً أخشى على حياتي، أما عائلتي وأصدقائي، فمعظمهم قُتلوا على يد الاحتلال… سلبني الاحتلال كل شيء: أصدقائي، عائلتي، منزلي، وعملي، سرق معدات التصوير من مستشفى الشفاء، تعرضتُ للتهديد والضغط مراراً وتكراراً لمغادرة شمال قطاع غزة؛ مع ذلك، ورغم كل هذا، ازدادت صموداً وتحدياً، ما زلتُ متفائلاً بالحياة”. ورداً عن سؤال: “ماذا تود أن تقول للعالم؟”، أجاب: “إذا كان سكان غزة لا يعنون لك الكثير، فانظر في عيون أطفالها، سيسجل التاريخ كل شيء، يجب عليك أن تختار وضع نفسك على الجانب الصحيح من التاريخ” .

عدد الشهداء والشهيدات يتجاوز بكثير الأرقام الرسمية

في 8 تموز/يوليو الجاري، يكون قد مرّ واحد وعشرون شهراً على تعرض القطاع الفلسطيني لحرب الإبادة الإسرائيلية. وبينما يتم التشكيك في إسرائيل في الأرقام الرسمية المروعة لعدد الضحايا التي تنشرها وزارة الصحة في القطاع، تُظهر بعض التحقيقات المستقلة أن هذه الأرقام أقل بكثير من العدد الحقيقي.

حتى 6 تموز/يوليو الجاري، قُتل ما لا يقل عن 57418 فلسطينياً وفلسطينية، وفقاً لوزارة الصحة التي لا تذكر في حصيلتها عدد المفقودين الذين لم يتم العثور على جثامينهم.

وكانت الوزارة قد نشرت، في أواخر الشهر الفائت، وثيقة من 1227 صفحة تحدد هوية ضحايا المأساة، يتبيّن منها أنه حتى 24 من ذلك الشهر، كان 31% من القتلى المدرجين في هذه القائمة من القاصرين. بيد أن دراسة جديدة أجراها الاقتصادي العالمي الشهير والباحث المتخصص في النزاعات المسلحة مايكل سباغات، من جامعة لندن، بمساعدة عالم السياسة الفلسطيني خليل شقاقي، من “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية واستطلاعات الرأي”، تقدر أن ما يقرب من 100,000 فلسطيني لقوا حتفهم – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و 5 كانون الثاني/يناير 2025، أي حوالي 4٪ من السكان الذين كان عددهم 2.3 مليون نسمة قبل بدء الحرب. وقد شملت هذه الدراسة، التي أجريت من خلال مقابلات مباشرة، 2000 أسرة في القطاع، أي ما يعادل 10 آلاف شخص. وهي تقدّر أن ما لا يقل عن 75200 شخص لقوا حتفهم عن طريق القتل العنيف، وهو رقم أعلى بكثير من 46000 حالة وفاة سجلتها السلطات المحلية خلال الفترة نفسها. وكان 56% من القتلى إما من الأطفال دون سن 18 عاماً أو من النساء. ويُشار أيضاً إلى أن نسبة النساء والأطفال الذين لقوا حتفهم في قطاع غزة أعلى بمرتين من النسبة المسجلة في معظم النزاعات الحديثة الأخرى، سواء في كوسوفو (20٪) أو سوريا (20٪) أو السودان (23٪)، كما أن عدد القتلى في القطاع غير مسبوق مقارنة بجميع الصراعات الأخرى منذ الحرب العالمية الثانية، من حيث نسبة المقاتلين إلى غير المقاتلين الذين قتلوا، ولكن كذلك من حيث معدل الوفيات مقارنة بحجم السكان. كما أصيب حتى اليوم أكثر من 130 ألف فلسطيني بجروح، فضلاً عن أن أكثر من 12000 شخص لا يزالون في عداد المفقودين، وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، ومعظمهم تحت الأنقاض .

مخطط تهجير جماعي جديد

بينما تشتد وطأة سياسة التجويع، تتواصل عمليات جيش الاحتلال الرامية إلى تشريد سكان القطاع المكنوب، إذ تقدّر الأمم المتحدة أنه منذ انتهاء وقف إطلاق النار في آذار/مارس الفائت، تم تهجير حوالي 700,000 من سكان القطاع، الذين يتم حشدهم في جنوب القطاع، على الحدود مع مصر، تمهيداً لإقامة ما سمي بـ “المدينة الإنسانية” التي ستكون نقطة انطلاق لتهجيرهم خارج القطاع.

وفي 20 تموز الجاري، ذكر مصدران لموقع “أكسيوس” الأميركي أن دافيد برنيع، مدير جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، زار واشنطن هذا الأسبوع، وأبلغ مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف أن إسرائيل أجرت محادثات مع إثيوبيا وإندونيسيا وليبيا، وأن هذه الدول أعربت عن انفتاحها لاستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة، مقترحاً أن تقدم الولايات المتحدة حوافز لهذه الدول وتساعد إسرائيل على إقناعها. وأكد مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أنه بموجب الاتفاقيات مع هذه الدول الثلاث، سيكون ترحيل الفلسطينيين “طوعياً وليس قسرياً”. وكان بنيامين نتنياهو قد أخبر الرئيس دونالد ترامب، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أن إسرائيل تعمل “على إيجاد دول مستعدة لاستقبال فلسطينيين من غزة”، وأكد “أننا على وشك إيجاد عدة دول” .

تعليقاً على زيارة مدير جهاز “الموساد” المذكورة إلى واشنطن، نشر الصحافي الإسرائيلي المناهض للاحتلال غدعون ليفي، مقالاً في صحيفة “هارتس”، في 20 من الشهر الجاري، بعنوان: “للمرة الأولى منذ نشوب الحرب، من الواضح أن لإسرائيل خطة تطهير عرقي بعيدة المدى”، نقلته نشرة “مختارات من الصحف العبرية”، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أشار فيه إلى أنه “من أجل إجلاء مليونَي إنسان من وطنهم، لا بد من وجود خطة، وإسرائيل تعمل عليها؛ فالمرحلة الأولى هي نقل عدد كبير من السكان إلى معسكر اعتقال لتمكين تنفيذ عملية الترحيل بفاعلية، وفي الأسبوع الماضي، نشرت الـ بي بي سي تحقيقاً مدعوماً بصور أقمار صناعية عن الدمار المنهجي الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، والبلدة تلو الأُخرى تُمحى عن وجه الأرض، والأرض تُسوّى لإقامة معسكر الاعتقال، وأيضاً كي لا تتاح عودة الحياة من جديد إلى غزة”.

وقدّر الصحافي نفسه أن إسرائيل “تنفذ ببرود جريمة ضد الإنسانية؛ فهي لا تهدم بيتاً هنا أو هناك من أجل “حاجات عملياتية”، إنما تقوم بإبادة ممنهجة لكل إمكان للحياة، وتحضّر للبنية التحتية لتجميع السكان في”مدينة إنسانية”، يُفترض بها أن تكون معسكر عبور قبل الترحيل إلى ليبيا، أو إثيوبيا، أو أندونيسيا”، معتبراً أن ما يجري في قطاع غزة “لم يعد حرباً متدحرجة، ولا يمكن بعد الآن اتهام بنيامين نتنياهو بشن حرب بلا هدف؛ فلهذه الحرب هدف، وهو إجرامي؛ ولم يعد في الإمكان اتهام قادة الجيش بأن جنودهم يُقتلون عبثاً، إنما يُقتلون في حرب تهدف إلى التطهير العرقي؛ والأرض باتت مهيأة، ويمكن الانتقال إلى مرحلة نقل السكان؛ فالمناقصات، وإعلانات الوظائف في الطريق، وبعد استكمال عملية النقل، وعندما يشتاق سكان “المدينة الإنسانية” إلى حياتهم، وسط الأنقاض، وفي الجوع والأمراض والقصف، سيكون في الإمكان الانتقال إلى المرحلة النهائية: تحميلهم بالقوة إلى الشاحنات والطائرات نحو وطنهم الجديد” .

*- د. ماهر الشريف – باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.

شاهد أيضاً

وزارة الحكم المحلي والنيابة العامة تنظمان ورشة عمل لتفعيل الشراكة مع الهيئات المحلية

وزارة الحكم المحلي والنيابة العامة تنظمان ورشة عمل لتفعيل الشراكة مع الهيئات المحلية

شفا – نظمت وزارة الحكم المحلي وبالشراكة مع النيابة العامة، ورشة عمل نوعية لتعزيز التكامل …