1:20 صباحًا / 24 يوليو، 2025
آخر الاخبار

عندما تلتقي الحضارات ، نحو تواصل أوسع وفهم أعمق ، بقلم : ليو وي جيان

عندما تلتقي الحضارات ، نحو تواصل أوسع وفهم أعمق ، بقلم : ليو وي جيان

عندما تلتقي الحضارات ، نحو تواصل أوسع وفهم أعمق ، بقلم : ليو وي جيان

في شهر يوليو الجاري، حين تعمّ درجات الحرارة المرتفعة معظم أنحاء الصين، قصدتُ مقاطعة شنشي الواقعة في شمال غربي البلاد، حيث تنثر زخات الرذاذ المتفرقة نسائم عليلة تبعث في النفس انتعاشاً وتمنح الزائرين لمسة من البرودة اللطيفة. رافقني في هذه الرحلة نخبة من الضيوف العرب الذين قدموا من فلسطين ومصر والمغرب والجزائر والعراق واليمن وموريتانيا وتونس وليبيا، بدعوة رسمية لحضور الاجتماع الوزاري لحوار الحضارات العالمية في الصين.


وعند الحديث عن الحضارة الصينية العريقة، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ وتمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، لا يمكن أن نغفل الإشارة إلى مقاطعة شنشي، التي تقف شامخة كشاهد على المسيرة الاستثنائية للتاريخ الصيني،

فحاضرتها، مدينة شيآن، كانت عاصمة لثلاث عشرة أسرة إمبراطورية في تاريخ الصين القديم، فيما شكّلت مدينة يانآن الواقعة في شمال المقاطعة مهداً هاماً للثورة الصينية في التاريخ المعاصر، أما اليوم، فقد بدأت شنشي تتبوأ مكانة محورية كحلقة وصل رئيسية على طريق الحرير البري الذي يربط الصين بالعالم الخارجي.


وخلال الزيارة، خضتُ حوارات ثرية مع ضيوفنا العرب، ومعظمهم ينتمون إلى صفوف الساسة المخضرمين الذين سبق لهم أن زاروا الصين مرات عديدة، وقد استشعرتُ من خلال تلك الحوارات بوضوح شغفهم الكبير وتوقهم المعرفي إلى التعمق أكثر في فهم الصين، التي يرونها بأعينهم “كتابا لا ينضب من المعرفة”.


ولا يصعب علينا ملاحظة أن غالبية المعلومات المتداولة عن الصين في العالم العربي تُستمد من مصادر غربية، سواء عبر الكتب أو وسائل الإعلام، بما في ذلك العديد من الروايات غير الحقيقية عن الصين، التي كانت تُعد بمثابة “كوكب آخر” بالنسبة للعرب قبل عقود من الزمن، ومع تصاعد الحضور الصيني على الساحة الدولية، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة التي لا تخضع لسيطرة الغرب مثل “تيك توك”، بدأت تتشكّل تدريجيا صورة صحيحة ومتعددة الأبعاد وبانورامية للصين أمام أعين العالم.


وفي الوقت نفسه، لا يزال فهم الصينيين للعالم العربي غير كافٍ أيضاً، إذ تقتصر الكلمات التي تخطر ببالهم عند الحديث عن العرب على: الصحراء والنفط والدين الإسلامي فحسب، وحتى عند الحديث عن دولة بعينها مثل فلسطين، فإن أول ما يتبادر إلى أذهانهم هو الحرب، ويرجع ذلك، في رأيي، جزئياً إلى “التغطية الانتقائية” التي تمارسها بعض وسائل الإعلام، غير أنه لا يمكن في الحقيقة اختزال العالم العربي، الذي شهد قيام عدة حضارات في مواطن مختلفة منه، في هذه الكلمات البسيطة.


دعوني أستشهد بفلسطين كمثال، ذلك البلد الذي توجهت إليه بصفتي صحفياً، وأقمت فيها لمدة عامين، عملت خلالهما على تغطية الأخبار هناك، فقد وجدت أن هذا البلد، رغم كونه منكوباً بالحرب، يمتاز في الحقيقة بموقع جغرافي استثنائي جعله مسرحاً نابضاً بالحضارات على مر العصور، ففي 2023، تم إدراج مدينة أريحا القديمة، المعروفة حالياً بمنطقة “تل السلطان”، ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، في إنجاز يُعد الرابع من نوعه بعد كنيسة المهد، ومدرجات بتير في بيت لحم، والبلدة القديمة في مدينة الخليل، وهذا بلا شك إنجاز عظيم لفلسطين التي تعاني منذ زمن طويل من الاحتلال والاضطهاد.


وفي قطاع غزة، الذي يشهد حالياً واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في التاريخ، قلّة من الناس يعلمون أنه قد عرف ازدهارا لافتا في العهدين الروماني والبيزنطي، وقد أتيحت لي فرصة زيارة هذا المكان ست مرات خلال الفترة من 2022 إلى 2023، حيث شهدت بأم عيني جراح سكانه الجسدية والنفسية وأكوام الأنقاض التي غطت مساحات شاسعة من أرضه، غير أنني، من ناحية أخرى، فوجئت وانبهرت بجمال الشريط الساحلي الطويل لغزة الذي يحتضن مناظر خلابة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.


وفي السنوات الأخيرة، شهد التعاون الودي بين الصين والدول العربية في مختلف المجالات تطوراً سريعاً، حيث أظهر العالم العربي توجهاً واضحاً نحو “التطلع شرقاً”، وفي الوقت نفسه تنظر الصين إلى العالم العربي باعتباره شريكاً مهماً في دفع مبادرة الحزام والطريق، وانطلاقاً من هذا التلاقي في المصالح والرؤى، تتزايد الحاجة يوماً بعد يوم إلى ترسيخ جسور التواصل وتعزيز الفهم المتبادل بين الشعبين الصيني والعربي، وهما من الشعوب التي تتمتع بحضارات عريقة وثقافات باهرة، وتأتي “مبادرة الحضارة العالمية” التي طرحتها الصين، في وقت مناسب لتدعم هذا المسعى.


في إطار هذه المبادرة، اتفقت الصين والدول العربية على إنشاء “المركز الصيني -العربي لمبادرة الحضارة العالمية” وإقامة “منتدى التعاون الصيني – العربي في مجال الإذاعة والتلفزيون”، وكذلك مشاركة علماء آثار صينيين في تنفيذ عمليات تنقيب مشتركة مع نظرائهم من السعودية وتونس وغيرها من الدول العربية، وستشكل هذه الخطوات منصة فعالة لتعزيز تبادل الخبرات الأثرية وتوطيد الفهم المتبادل بين مختلف الحضارات والثقافات.


وعلى عكس نظرية “صدام الحضارات” التي تصور العلاقة بين الحضارة الغربية والحضارات غير الغربية غالباً على أنها علاقة عدائية، بما يتماشى مع رؤية الحضارة كخطاب أيديولوجي للتوسع الاستعماري الغربي في العصر الحديث، ترى المبادرة الصينية أن بإمكان الحضارات السعي إلى الحكمة، والاستفادة من التبادلات والتعلم المتبادل بينها، وتقديم حلول للمشكلات، وفي عالم تتشابك فيه حالياً التحولات والاضطرابات وتقف فيه البشرية عند مفترق طرق جديد، ثمة حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى أن تتجاوز الحضارات حالات القطيعة من خلال التبادلات، وأن تتجاوز الصدامات من خلال التعلّم المتبادل.

⦁ ليو وي جيان – المدير السابق لمكتب شينخوا لدى فلسطين .

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بإطلاق الاحتلال النار بشكل عشوائي على مواطنين قرب الخضر جنوب بيت لحم

شفا – أصيب واستشهد عدد من الشبان برصاص جيش الاحتلال قرب بلدة الخضر جنوب بيت …