1:02 صباحًا / 24 يوليو، 2025
آخر الاخبار

قراءة لقصيدة “عندما!” لروز شعبان ، بقلم : رانية مرجية

قراءة لقصيدة "عندما!" لروز شعبان ، بقلم : رانية مرجية

قراءة لقصيدة “عندما!” لروز شعبان ، بقلم : رانية مرجية

قصيدة “عندما!” للشاعرة روز شعبان هي تجربة شعورية عميقة تحمل في طياتها أوجاع الإنسانية وتُجسد التوتر بين اليقين والشك، بين الأمل والخوف. من خلال أسلوبها المتقن وصورها الشعرية المكثفة، تمكنت روز شعبان من خلق حالة من الغموض المكثف، حيث يُجسد الصمتُ ضجيجًا، وتصبح أبسط الأشياء رمزًا للموت والفقد. هي قصيدة تتحدث عن المعاناة الداخلية لكل إنسان في لحظات الانكسار، وتدعو القارئ إلى التفكير في معنى الحياة والموت، الفقد والوجود. إن هذه القصيدة تعد نموذجًا من الأمثلة التي تظهر قدرة الشاعرة على خلق جماليات شعرية تنبض بالوجدانيات الفلسفية العميقة.

الصمت الذي يصرخ

في بداية القصيدة، تفتتح الشاعرة بنغمة فلسفية عميقة عندما تقول: “عندما يصبح الصمتُ ضجيجًا”. هذه العبارة تقترن بالحيرة الوجودية التي تعيشها الذات الإنسانية في عالمٍ مليء بالفراغ العاطفي، حيث يصبح الصمت القاسي أكثر وضوحًا من أي صوت آخر. إنه صمت يصرخ، وهو تكثيف مذهل للألم، وهو صرخة مكسورة في أعماق القلب، لا يُسمع في العلن، لكنه يُحسُّ في الأعماق. الصمت، الذي كان يُعتبر ملاذًا للسلام، يتحوّل إلى ضجيج يُشعر الإنسان بعزلته وتعاسته.

الماء والخبز كأيقوناتٍ للموت

في السطور التالية، تقدم الشاعرة صورًا رمزية تحمل الكثير من الحزن والفقد. “وقطرةُ الماء رحلةً إلى الموتِ” هي صورة تُحيلنا إلى المعنى الوجودي للموت، حيث يصبح الماء، وهو أساس الحياة، مجرد بداية لرحلة النهاية. الشاعرة تُظهر كيف تتحوّل أبسط الأشياء التي نعتاد عليها إلى علامات تدل على التدهور والموت، وفي نفس السياق، تقول: “وكسرةُ الخبزِ أضغاثَ أحلامٍ”. إن الخبز، رمز العيش والبقاء، يصبح في هذا السياق علامة على الهزيمة، الحلم الضائع، والخيبة التي نعيشها في زمنٍ مليء بالانكسار. هذه الصور تضع القارئ في حالة من التأمل العميق حول الأبعاد المظلمة للوجود.

السقوط من اليقين إلى الضياع

عندما تقول الشاعرة: “تسقط جذوةُ اليقينِ”، فإنها تلامس أعماق النفس الإنسانية في لحظات الضعف والانكسار. في هذه اللحظة، يكون الإنسان في حالة من التشتت الروحي والفكري. اليقين، الذي كان يُعتبر مصدر القوة الداخلية، يتحطم ويختفي، مما يترك المكان فارغًا مليئًا بالحيرة والشكوك. مع تلاشي اليقين، يتسلل الضياع إلى الوجود، وتبدأ الأسئلة الكبرى حول الحياة والموت، الفقد والوجود، بالتنقل في ذهن الإنسان.

الكلمات… وأحمالها

“تتقاتل عيونُ الكلماتِ” هي إحدى الصور الشعرية البارزة في القصيدة، حيث تتجسد الكلمات على أنها سيوف متصارعة، تدور حول المعنى فتُفقد قدرتها على التعبير. الشاعرة هنا تبيّن كيف أن الكلمات، التي كانت دائمًا أداة تعبير عن الأفكار والمشاعر، تصبح عاجزة، محملة بالألم، وتبدأ في التراجع في مواجهة الواقع القاسي. “تجرُّ أذيالَ حروفها” هي صورة أخرى تبرهن على تآكل الكلمات وتناقص قوتها، مما يعكس العجز الداخلي الذي يعيشه الشاعر.

ظلمة النهار وصوت الفراخ

في مقطع آخر، تخلق الشاعرة تباينًا مدهشًا بين الليل والنهار: “يكتسي النهارُ ستائرَ الليلِ”. هذه الصورة تجسد التداخل المأساوي بين الأمل واليأس، بين النور والظلام، وتُبرز انعدام الوضوح بين المشاعر المتناقضة التي تسيطر على الذات. كما أن ظهور الطيور والفراخ المتلوّية في ألم، تعكس صراعًا داخليًا في الطبيعة نفسها، فالألم لا يتوقف عند الإنسان فقط، بل يمتد ليشمل الكائنات الحية الأخرى التي تُجسد، هي الأخرى، الإحباط والانتظار في سماءٍ لا تجلب الفرج.

الأمل الممزق في السماء

إن الصورة الرمزية لـ “مائدةُ أملٍ” التي تظهر في السماء هي مشهد يكتنفه الغموض. المائدة التي تشير إلى الأمل تنتظر الطعام، لكنها ليست سوى “ذكرياتٍ وحجارةٍ يتوسّدها التاريخ المؤلم”. هذا التصوير يعكس حقيقة مؤلمة، فحتى الأمل نفسه أصبح شيئًا مكسورًا وممزقًا، يشبه تلك الذكريات التي أصبحت عبئًا ثقيلًا على الذاكرة. الأمل الذي لا يأتي، والسماء التي تبدو خالية من إشراقتها، ترسم لنا صورةً عن الأمل الضائع في عالم مليء بالخيبات.

الإنسانية في الذاكرة المكسورة

تختتم القصيدة بمقولة: “تجمعُ الإنسانيّةُ فُتاتها… وتُعجنُهُ بالخيبةِ والانكسارِ”. هذا المشهد الأخير هو الأكثر تأثيرًا في النص. هو تصوير رمزي للإنسانية الممزقة، التي لا تُعيد بناء نفسها، بل تستمر في تكرار حلقات الألم والهزيمة. الإنسانيّة تجمع “فُتاتها”، لكنها لا تستعيد قوتها، بل تعيش في دائرة مغلقة من الخيبات والانكسارات. هذا هو الواقع الذي تراه الشاعرة، واقعًا مليئًا بالتناقضات، حيث لا يسود النصر، بل الهزيمة.

قصيدة “عندما!” لروز شعبان

عندما!
عندما يصبح الصمتُ ضجيجًا
وقطرةُ الماء رحلةً إلى الموتِ
وكسرةُ الخبزِ أضغاثَ أحلامٍ
تسقط جذوةُ اليقينِ
تتعرّى النفوسُ
تتقاتل عيونُ الكلماتِ
تتبارى
أيُّها أبلغُ في الوصفِ
أيُّها أحدُّ في الطعنِ
تنكمشُ الكلماتُ
تجرُّ أذيالَ حروفِها
تُغمدُ سيوفَها
تُعلنُ هزيمَتَها
وتختفي….

عندما يصبح الصمتُ ضجيجًا
يكتسي النهارُ ستائرَ الليلِ
يجمعُ فلولَهُ المتناثرةَ
تنزوي النجومُ خجلًا
ترتجفُ صحائفُ القلوبِ
توهَنُ عزيمةُ النفوسِ
يمزّق ظلمةَ النهارِ
صراخُ الفراخِ
تتلوّى أجنحةُ الطيورِ ألمًا
ترقبُ السماءَ وتنتظرُ….

عندما يصبح الصمتُ ضجيجًا
والهواءُ ممزّقًا
والقمرُ مُخترقًا
تنكّسُ الأشجارُ هاماتِها
ترتسمُ في السماءِ مائدةُ أملٍ
ولوحُ صبّارٍ
وبعضُ ذكرياتٍ
كانت تتوسّدُ حجارةَ الطرقاتِ
وآهاتٌ تمزّقُ ضجيجَ الصمتِ
عندها…..
تجمعُ الإنسانيّةُ فُتاتها
تعجنُهُ بالخيبةِ والانكسارِ
وتمضي….

خاتمة: جماليات القصيدة

قصيدة “عندما!” لروز شعبان هي تعبير شعري مكثف عن صراع الإنسان مع ذاته، ومع واقعه المحبط، ومع الخيبات التي تُلاحقها. الشاعرة استخدمت اللغة بشكل بديع لخلق صور شعرية قوية تلمس الوجدان وتثير التأملات الفلسفية في النفس البشرية. جماليات القصيدة تظهر في استخدام الاستعارات، التكرار الصوتي، التباين بين الليل والنهار، والرموز الطبيعية التي تحمل معاني عميقة تتجاوز حدود الكلمات. الشاعرة قادرة على خلق توازن بين الألم والأمل، وتقدم لنا نصًا شعريًا ليس فقط مملوءًا بالألم، بل أيضًا بالأمل المكسور الذي لا ينتهي. هذه القصيدة هي شهادة على قدرة روز شعبان في التعبير عن واقع الإنسان في لحظات انكساره، واحتفاظه رغم ذلك، بتجربة إنسانية غنية ومعقدة.

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بإطلاق الاحتلال النار بشكل عشوائي على مواطنين قرب الخضر جنوب بيت لحم

شفا – أصيب واستشهد عدد من الشبان برصاص جيش الاحتلال قرب بلدة الخضر جنوب بيت …