1:02 صباحًا / 24 يوليو، 2025
آخر الاخبار

غزة تحت مقصلة التجويع وقتل الإنسانية ، بقلم : محمد علوش

غزة تحت مقصلة التجويع وقتل الإنسانية ، بقلم : محمد علوش

في غزة، لا تنتهي فصول المأساة، بل تتوالى كأنها مقاطع مكتوبة بمداد الدم، وممهورة بأختام الصمت الدولي والخيانة الإنسانية، فهناك، لا يحتاج المرء إلى أن يكون على جبهة القتال كي يموت؛ فالجوع، العطش، وانهيار الحياة ذاتها، باتت أدوات إبادة لا تقل فتكاً عن الصواريخ والقنابل.


من لم يقتله الاحتلال في الغارات، يقتله الحصار في تفاصيل يومه، ويموت الفلسطيني في غزة ببطء، بين قضمات مقنّنة من الخبز، وشفاه يابسة ترتجي رشفة ماء، يموت وهو يفتّش عن بقية دواء لطفل مريض، أو عن سقف يحميه من قيظ الصيف وبرد الشتاء، ولم يعد الموت في غزة لحظةً خاطفة، بل أصبح سيرورة حياة، ومساراً يومياً، يعيشه الناس بكل حواسهم المنهكة.


منذ بدء العدوان، لم تكتف آلة الحرب الإسرائيلية بتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، بل مضت بخطة ممنهجة لتدمير ما تبقّى من مقوّمات الحياة، حيث دمرت المخابز، وأُغلقت المعابر، ومنعت الإغاثات، ونفّذت سياسة “السعرات الحرارية” التي تتعامل مع سكان غزة كأرقام لا كأرواح، يمنحون الحدّ الأدنى مما يُبقيهم على قيد الجوع، لا الحياة، وكأن لسان حال الاحتلال يقول: دعوهم يتنفسون، ولكن لا تدعوهم يعيشون.


في الأزقّة التي تكتظ بأجسادٍ أنهكها الحرمان، تتكوّر الأمهات على صغارهنّ، يقدّمن لقمةً واحدة لأربعة أفواه، ويبتلعن الدموع مع الهواء المشبّع برائحة الدم والتراب، وفي المستشفيات، يموت المرضى لأن الكهرباء لا تكفي لتشغيل أجهزة التنفس، أو لأن الدواء محجوب بقرار عسكري، وفي المخيمات، تحوّلت الأرض إلى مقابر مؤقتة لأطفال ماتوا من سوء التغذية أو الجفاف، في زمن العولمة وحقوق الإنسان.


أيُّ زمنٍ هذا الذي نعيش فيه، حيث يصبح الجوع سلاحاً، وتحاصر الطفولة بقانون الطوارئ، وأيُّ عالمٍ هذا الذي يتشدّق بحماية المدنيين، بينما يترك مليون طفل في غزة فريسة الجوع والبرد والخوف.. أليس هذا هو المعنى العاري للموت البطيء.. أليست هذه إبادة جماعية تمارس على مرأى ومسمع من “الضمير العالمي” الذي بات معطوباً أو منتفعاً أو متواطئاً؟!


في غزة اليوم، تُذبح الإنسانية على المائدة الدولية، وتسيل الدماء بينما ينعقد مجلس الأمن ليناقش “الهدنة المؤقتة” أو “الوقف الإنساني لإطلاق النار”، وكأن الحياة يمكن أن تجزّأ إلى ساعات مسموح بها وأخرى محرّمة.
لم يعد الفلسطينيون ينتظرون العدالة، فقد تحوّلت في عرف هذا العالم إلى فكرة خرافية، ومجرد وهم في خطب الساسة.


لكن، وعلى الرغم من كل هذا، لم تمت الكرامة، فالغزيّ الذي يجوع اليوم، لا يركع، ذاك الذي يودّع أبناءه بين ركام البيت، لا يساوم على أرضه، وتلك المرأة التي تمسح دموعها بكمّ قميصها الممزق، لا تزال تحرس حلم العودة والحرية، والاحتلال، مهما استبدّ، لا يستطيع أن يقتل الروح الفلسطينية التي عركتها المذابح فاشتدت، وغرست في الرمل جذوراً لا تقتلعها الطائرات.


في غزة، يعلو أنين الجياع ليهزّ ضمير العالم، إن بقي فيه ضمير، وفي غزة، تكتب ملحمة يومية بلغة الدم والصبر، فيها يرقد الشهداء، ويصحو الجائعون على حلم مقاومة لم تنكسر، وعلى يقين أن الجوع لن يكون نهاية الحكاية، بل إحدى فصول النهوض العظيم لشعب لا يعرف الانكسار، فغزة لا تموت.. وإن مات الجسد، فالحلم لا يجوع.

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بإطلاق الاحتلال النار بشكل عشوائي على مواطنين قرب الخضر جنوب بيت لحم

شفا – أصيب واستشهد عدد من الشبان برصاص جيش الاحتلال قرب بلدة الخضر جنوب بيت …