
حين مات ضمير العالم ، وحده الموت يمرّ كل صباح ليتفقد من تبقّى ، بقلم : ربحي دولة
مات الضمير العالمي قبل أن يموت أطفال فلسطين جوعاً أو تحت أنقاض بيوت عائلاتهم التي هُدمت فوقهم، وقبل أن تجف عيون امهاتهم بكاءً عليهم .
عامان من القتل والإبادة والدمار، من حصارٍ خانق، من تطهيرٍ عرقي لم يعد يخفى على أحد ليس في غزة وحدها، بل في الضفة الغربية بكل مدنها وقراها ومخيماتها، في كل زاوية من هذا الوطن المُحاصر، تختفي الحياة: لا طعام، لا دواء، لا كهرباء، لا أمان، وحده الموت يمرّ كل صباح ليتفقد من تبقّى.
العالم يقف متفرجاً، لا يتحرّك ليُنقذ ضحايا هذا الشعب المكلوم ، بل يكتفي بعدّهم، كمن يقيسُ حجم الألم وأثره دون أن يكترث بصراخ الجرح ! منذ شهور وهم يتداولون مسألة إدخال “مساعدات إنسانية”، وكأنها أزمة لوجستية لا مأساة إنسانية ! لكن الحقيقة واضحة، فهم لا ينتمون أصلًا إلى هذه الإنسانية، فمن ينتمي فعلًا لا يساوي بين الجلاد والضحية، ولا يتردّد في إنقاذ طفل يحتضر تحت الحصار.
هم لا يريدون أن نُسمِع صوتنا، كلما اقتربنا من إيصال الحقيقة، خلقوا لنا أزمة جديدة تُبعد الأنظار. تارةً في إيران، وتارةً في السويداء، وأخرى في صراع روسيا وأوكرانيا، يبحثون عن مشهد جديد كل أسبوع ليُغطّوا به المجازر المستمرة في فلسطين.
الذبح مستمر، والصمت يتواطأ، و الدم الفلسطيني يُراق بلا ثمن، وغزة تبقى عنواناً للمأساة والخُذلان، الضفة تُترك لجرائم المستوطنين وعربدة جيش الاحتلال، بلا حماية، بلا موقف، بلا عدالة.
الواقع يُثبت أن ما يُرتكب بحقنا ليس مُجرد نتيجةً لصمت العالم، بل لتواطئه؛ فالصمت أمام الظُلم ليس حيادًا، بل شراكة في الجريمة، والحيادُ في قضايا الإبادة لا يُمكن اعتباره موقفًا، بل خيانة صارخةً.
ما يجري في فلسطين ليس شأناً داخليًا، ولا حرباً متكافئة، بل جريمة مُستمرة، المحتل يشترك فيها بالسلاح، والعالم يشترك بالتجاهل، والبعض منّا يشترك بالصمت أو التطبيع.
فلسطين تنزف وحدها، لكنها لا يجب أن تبقى وحدها، فمن أراد أن يتحدث عن القيم والإنسانية، فليبدأ من فلسطين، من حيث تُنتهك الإنسانية كل لحظة، ومن أراد إثبات صدق مواقفه، فـليكفّ عن التلاعب بالبوصلة الأخلاقية، هذا الجرح ليس خاصاً، بل هو جُرحنا جميعاً، وعار الصمت سيُلاحق كل من شاهد وصمت .
- – ربحي دولة – كاتب وسياسي فلسطيني .