
حركة فتح والموقف الوطني: بين الانحياز للموظف ومواجهة احتجاز المقاصة بقلم : د. عمر السلخي
في ظل ما تمرّ به الساحة الفلسطينية من أزمات مالية واقتصادية خانقة، وانعكاسات مباشرة على الموظفين العموميين، تبرز حركة فتح كإطار وطني تاريخي يقع على عاتقه مسؤولية الوقوف مع الجماهير، والانحياز لقضاياهم، خاصة في ظل استمرار احتجاز أموال المقاصة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتعثر دفع الرواتب، وغياب الأفق الاقتصادي الواضح.
حركة فتح… الجذر الوطني والالتزام الشعبي
حركة فتح، التي انطلقت من رحم الشعب الفلسطيني، كانت ولا تزال إطارًا كفاحيًا حمل هموم الناس على كتفيه، ولم تنفصل يومًا عن قضاياهم المعيشية. فالحركة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى، أن تترجم هذا الانحياز من الشعارات إلى خطوات عملية، تتبنى فيها مطالب الموظفين، وتشكّل قوة ضغط حقيقية على الحكومة الفلسطينية لضمان صرف الرواتب واستمرار الخدمات الأساسية.
انحياز فتح للموظف ليس موقفًا عابرًا بل موقف وطني
تعاني شريحة الموظفين الحكوميين من أزمات مالية متراكمة، نتيجة لتعثر الرواتب وتأخرها أو صرفها بنسب مجتزأة، وهو ما فاقم التزاماتهم المالية تجاه البنوك، المدارس، الجامعات، واحتياجات أسرهم. حركة فتح مطالبة اليوم بتبني خطاب واضح ومعلن يدعم حقوق هؤلاء الموظفين، وبتنظيم حوارات وطنية مع الجهات الحكومية لحل الأزمة، بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي والاجتماعي.
الموقف من أموال المقاصة… مواجهة سياسية لا مالية فقط
تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي أموال المقاصة الفلسطينية كأداة للابتزاز السياسي والمالي. هذا الحصار المالي يتطلب موقفًا سياسيًا فلسطينيًا موحدًا، تبدأ فيه حركة فتح بحشد الدعم العربي والدولي لوقف هذه الجريمة المالية. فتح، بحكم كونها العمود الفقري للسلطة الفلسطينية، مطالبة بخوض معركة دبلوماسية وإعلامية لفضح هذه السياسة الاحتلالية، وتقديم بدائل لمصادر الدخل الوطني بعيدًا عن تحكم الاحتلال.
حركة فتح كقوة ضغط داخلية على الحكومة
لا يكفي أن تكتفي فتح ببيانات تضامنية؛ بل عليها أن تكون صوتًا جريئًا داخل النظام السياسي، ينقل مطالب الناس للحكومة، ويدفع باتجاه اتخاذ خطوات إصلاحية في السياسات المالية والإدارية. على الحركة أن تكون في مقدمة المطالبين بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، وتوجيه الموارد المحدودة نحو القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة ورواتب الموظفين.
حركة فتح… موقف ضاغط لا يقبل الصمت
في مواجهة الأزمة المتفاقمة، تبرز ضرورة أن يكون لحركة فتح موقف ضاغط ومسؤول تجاه الحكومة الفلسطينية، من أجل وضع حلول عملية وعاجلة لضمان دفع الرواتب بانتظام، وتأمين الحد الأدنى من الكرامة المعيشية للموظف. إن صمت القوى الوطنية في أوقات الأزمات يعمق الإحباط، لكن “فتح” اعتادت أن تكون الصوت الأقرب للناس، وخصوصاً في المراحل الصعبة التي تتطلب حضوراً ميدانياً وسياسياً قوياً.
الحلول ليست مستحيلة… بل تحتاج إلى جرأة قرار
لا يكفي تحميل الاحتلال المسؤولية فقط، بل يجب أن يترافق ذلك مع سياسات حكومية استباقية لتقليل أثر الأزمة، مثل ترشيد النفقات، تقليل الامتيازات للمسؤولين، مكافحة الفساد المالي والإداري، وتشجيع الاقتصاد المحلي والإنتاج الوطني. دور “فتح” هنا محوري، فهي الجسر الذي يربط بين همّ المواطن وصانع القرار.
تعزيز التكافل الاجتماعي والنقابي
إلى جانب الحراك السياسي، يمكن لفتح أن تكون رافعة اجتماعية لتعزيز التكافل الوطني، من خلال دعم النقابات والاتحادات العمالية والمهنية لتوحيد الجهود والمطالب، وتأسيس صناديق طوارئ بالتعاون مع المجتمع الأهلي لتخفيف الأعباء المالية عن الموظفين في ظل الأزمات.
ليست حركة فتح تنظيماً سياسياً فحسب، بل هي روح المشروع الوطني الفلسطيني. والمرحلة تتطلب منها أن تنحاز بوضوح وقوة لجمهورها من الموظفين والمواطنين، وأن تتصدى لسياسات الاحتلال من جهة، وتدفع الحكومة نحو الإصلاح من جهة أخرى. فالشرعية الشعبية لا تُستمد فقط من التاريخ، بل من التفاعل اليومي مع قضايا الناس.