
الانتخابات كأداة وحدة لا صراع ، مقاربة وطنية لإدارة التوافق في الهيئات المحلية ، بقلم : د. عمر السلخي
الانتخابات المحلية: اختبار للوعي الجمعي
في الحالة الفلسطينية، لا يمكن النظر إلى الانتخابات المحلية بوصفها إجراءً إداريًا روتينيًا، بل هي امتحان مباشر لنضج الوعي الجمعي وقدرتنا على إدارة التعدد دون تمزيق النسيج الاجتماعي، ففي مجتمعات صغيرة ومترابطة، كما هو حال معظم بلدات وقرى محافظة سلفيت، يتحول التنافس الانتخابي غير المنضبط بسرعة إلى انقسام عائلي وجهوي وفصائلي ، لا تتوقف آثاره عند صناديق الاقتراع، بل تمتد لتثقل كاهل المجتمع لسنوات طويلة.
من الحكم المحلي إلى ساحة استنزاف
حين تنفلت الانتخابات من منطق الخدمة العامة، تتحول الهيئات المحلية من أدوات تنمية إلى ساحات استنزاف سياسي واجتماعي، تُهدر الطاقات في الخصومات، وتُعطَّل المشاريع، ويتراجع منسوب الثقة بين المواطن والمؤسسة المحلية، والخطورة هنا لا تكمن في الخلاف بحد ذاته، بل في غياب الأطر العقلانية لإدارته، ما يجعل من البلدية عبئًا بدل أن تكون رافعة تنموية.
التوافق: خيار وطني لا تسوية مؤقتة
التوافق في الانتخابات المحلية ليس هروبًا من الديمقراطية، ولا تسوية هشة لتأجيل الصراع، بل هو خيار وطني واعٍ حين تُقدّر الكلفة الاجتماعية للانقسام ، فالتوافق لا يلغي التعدد، ولا يمنع المحاسبة، بل ينقل التنافس من الشارع والعائلة إلى داخل المجلس البلدي، حيث تُدار الخلافات ضمن أطر مؤسسية وقانونية.
تجربة قراوة بني حسان: نموذج يُحتذى
تُقدّم بلدة قراوة بني حسان نموذجًا عمليًا في إدارة التوافق المحلي، حيث جرى تجاوز منطق المغالبة الانتخابية لصالح صيغة توافقية راعت التمثيل المجتمعي والكفاءة، ووفّرت بيئة مستقرة لعمل المجلس البلدي، هذا النموذج لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج حوار مبكر، ودور فاعل للشخصيات الاعتبارية، وإدراك جماعي بأن وحدة البلدة واستقرارها أولى من انتصار قائمة على أخرى، وقد انعكس ذلك إيجابًا على أداء البلدية، وعلى مستوى الثقة الشعبية، وعلى قدرة المجلس على العمل دون عوائق داخلية.
مكاسب التوافق: استقرار، كفاءة، وثقة
تُظهر التجارب، ومنها تجربة قراوة بني حسان، أن المجالس المنبثقة عن توافق مدروس تكون أكثر انسجامًا، وأسرع في اتخاذ القرار، وأقل عرضة للتجاذبات الشخصية ، كما يسهم التوافق في خفض كلفة الانتخابات المالية والسياسية، ويمنح المؤسسات المحلية هامشًا أوسع للتركيز على التنمية والخدمة بدل إدارة الأزمات الداخلية.
شروط النجاح: من النوايا إلى المنهج
غير أن التوافق لا يتحقق بالشعارات، بل يحتاج إلى منهج واضح يقوم على الحوار المبكر، والتمثيل العادل، وتقديم الكفاءة والنزاهة على الحسابات الضيقة، كما يتطلب دورًا مسؤولًا من القوى الوطنية والفعاليات المجتمعية، بصفتهم ضامنين للتوازن، لا لاعبين في لعبة الاستقطاب.
المجتمع شريك لا متفرج
يبقى المجتمع المحلي، من وجهاء ومؤسسات أهلية وشباب ونساء، حجر الزاوية في إنجاح أي مسار توافقي، فالبلدية ليست غنيمة انتخابية، بل مؤسسة عامة، يُفترض أن تعكس مصالح الجميع، وأن تعمل بمنطق الشراكة لا الإقصاء.
نحو انتخابات تحمي الوحدة الوطنية
في ظل التحديات الوطنية الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني، من احتلال واستيطان وأزمات اقتصادية متراكمة، تصبح حماية الوحدة المجتمعية في الحكم المحلي مسؤولية وطنية بامتياز، فالانتخابات، حين تُدار بعقل توافقي، تتحول من لحظة انقسام إلى فرصة لتعزيز الصمود وبناء الثقة، ومن ساحة صراع إلى أداة وحدة حقيقية.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .