3:16 مساءً / 15 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

في الذكرى الخامسة لرحيل الأديب الفلسطيني حنّا إبراهيم ، الكلمة التي قاومت كي لا ننسى ، بقلم : رانية مرجية

في الذكرى الخامسة لرحيل الأديب الفلسطيني حنّا إبراهيم ، الكلمة التي قاومت كي لا ننسى ، بقلم : رانية مرجية

في الذكرى الخامسة لرحيل الأديب الفلسطيني حنا إبراهيم ، الكلمة التي قاومت كي لا ننسى ، بقلم : رانية مرجية

في الذكرى الخامسة لوفاته ( 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)

في مثل هذا اليوم، نضع أيدينا على قلب الجليل ونُصغي. لا يعود الصمت صمتًا في البعنة، إذ يُصبح هواء البلدة مملوءًا بأسماء ظلّت حيّة في وجداننا. أحدها حنّا إبراهيم؛ الأديب الذي أدرك باكرًا أن الفلسطيني حين يكتب، فهو يقاتل بصوتٍ مرتفع كي لا يختفي.

لم يكن رحيل حنّا إبراهيم في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2020 مجرّد خبرٍ عابر. كان محطة مراجعة لسؤالٍ ظلّ يطارده ويطاردنا:


ماذا تفعل الكلمة عندما تُحاصرها الجغرافيا؟
وكيف يُنقذ الأدب نفسه من أن يصير مجرّد ترفٍ على هامش اليوميّ الفلسطيني؟

“الكتابة ليست ترفًا… الكتابة مسؤوليةُ من رأى ولم يغمض العين.”
— عبارة ظلّ يستحضر معناها في كل سطر، حتى حين لا يقولها حرفيًا.

أولًا: الجليل كحالةٍ أدبية لا كخلفيّةٍ جغرافيّة

وُلد حنّا من تربةٍ تعرف أسماء أشجارها: زيتونٌ يشيخ ولا ينحني، وريحٌ إذا مرّت على البيوت حملت معها ذاكرة لا تقبل المساومة.


لم يتعامل مع الجليل كمنظرٍ يُجمّل النص، بل كمخبرٍ للمعنى: الناس، الحكايات المنسيّة، التفاصيل الصغيرة التي تجعل من القرية وطنًا مصغّرًا لا ينكسر بالخرائط.

في نصوصه، كانت البعنة ليست مكانًا وحسب، بل معادلًا روحيًا لفلسطين؛ تُجسّد التنوّع الذي نحمله في أصواتنا وصلواتنا ولهجاتنا، وتؤكّد أن الاختلاف ثراءٌ لا ذريعةٌ للتنازع.

ثانيًا: الكلمة موقف

لا تُفهم تجربة حنّا إبراهيم خارج مفهوم الأدب الملتزم بالإنسان.
كان يُدرك أن الكاتب لا يملك رفاهية الوقوف في الوسط حين يُظلم الضعفاء، فجاءت مقالاته وقصصه حادّة دون صراخ، ورفيقة دون مجاملة.


آمن بالصحافة الثقافية بوصفها منبرًا للمساءلة لا للإعلان، وتعامل مع أدب الأطفال كأخطر أبواب التكوين:

“قصّة تُروى لطفلٍ اليوم قد تصنع مواطنًا يرفض القهر غدًا.”

هكذا فهم الكتابة للصغار كتربية على الخيال، والخيال عنده جزء من التربية على الكرامة.

ثالثًا: إنسانٌ خلف الكاتب

من يعرفه عن قربٍ يعرف ابتسامته التي تسبق كلامه، وهدوءه الذي يشبه حكمة الجليل.
لم يكن مفتونًا بالمنابر، بقدر افتتانه بأثر النصّ في عيون القرّاء.
كان يكرّر — بالفعل قبل القول — أن الشهرة لا تُنقذ نصًا فارغًا، وأن:

“المجد الحقيقي للنص حين يجد قارئه المحتاج إليه”،

ذلك الذي يرى في الأدب مرآةً وضمادةً في آنٍ معًا.

إرثٌ يتّسع ولا يشيخ

رحل حنّا جسدًا، وبقي إرثًا يتكاثر بالقراءة. بعض هذا الإرث نلمحه في:
• كتابةٍ تُصرّ على تجسير الهوّة بين القصيدة والخبز اليومي، بين المقال وأسئلة العدالة.
• نبرةٍ أخلاقية ثابتة: الكرامة ميزانُ المعنى، والضعفاء معيار الصدق.
• إيمانٍ بالتربية السرديّة: أن يتعلّم الصغار الحكاية كي لا يتعلّموا الخوف.

ولم يكن تأثيره مقصورًا على جيلٍ بعينه؛ فكلُّ شابٍّ أو شابّةٍ أعاد ترتيب علاقته بفلسطين من داخل نصٍّ صادق، كان يمدّ خيطًا موسومًا باسمه، ولو من حيث لا يدري.

مشاهد من سيرة لا تريد أن تنتهي


• البعنة – صفد: خطّا البداية والنهاية الجغرافيّة، لكنّ المسافة بينهما كانت مجرّةً من الكتابة.
• رفاق الكلمة: ظلّ وفيًّا لروح الجماعة الثقافية؛ يحبّ الحوار، ويخشى الانغلاق، ويؤمن أن الاختلاف يُطهّر الفكرة.
• المنابر: حين ضاقت، توسّع بالكتابة؛ وحين اتّسعت، ظلّ يكتب كما لو أنّ قارئًا واحدًا فقط يضع عينه على السطر — قارئ يستحق الصدق كلّه.

لماذا نتذكّره الآن؟

لأن الذاكرة موقف، ولأنّ الذكرى الخامسة ليست رقمًا بل عهدًا متجدّدًا:
• أن نبقي الأدب مسؤولًا عن الحقيقة لا تزيينًا لها.
• أن نصون لغة الناس من تكلّف البلاغة ومن بلادة الشعارات.
• أن نُعلّم أبناءنا أن الخيال أداة بقاء، وأن السرد لا يُنقذ التاريخ من النسيان وحسب، بل يُنقذ الإنسان من اليأس.

ختامًا: سلامٌ على زيتون البعنة

في هذا اليوم، نعود إلى الشجرة الأولى. نلمس جذعًا أخذ شكلَ الزمن، ونقرأ حروفًا محفورةً بأصابع كتّابٍ كبارٍ، أحدهم اسمه حنّا إبراهيم.
سلامٌ عليك يا حنّا،
سلامٌ على كلمتك التي قاومت،
وسلامٌ على كلّ من سيواصل هذه الرسالة:
أن تكون الكتابة بيتًا آمنًا لفلسطين، مهما اشتدّ العصف.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الأربعاء 15 أكتوبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …