3:01 مساءً / 15 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة في ديوان « صبا الروح » للشاعرة سلمى جبران ، بقلم : رانية مرجية

قراءة في ديوان « صبا الروح » للشاعرة سلمى جبران ، بقلم : رانية مرجية

قراءة في ديوان « صبا الروح » للشاعرة سلمى جبران ، بقلم : رانية مرجية

  1. الروح التي تكتب لا التي تُكتب عنها

حين أقرأ «صبا الروح»، أشعر أنني لا أقرأ كتابًا، بل أتنفّس إنسانًا.

هذا الديوان ليس مجموعة قصائد تتجاور على ورق؛ بل رحلة تطهير داخل الوعي،

رحلة أنثى عرفت الله من جرحها، وآمنت بأن الكتابة ليست فعلًا من الحبر، بل فعل خلاص.

في زمنٍ صار فيه الشعر صدىً باهتًا لصوتٍ ضاع في المرايا، تأتي سلمى جبران لتقول لنا:

“ما زالت الروح قادرة على الكلام.”

ديوانها يشبه مرآة من ضوءٍ ودمع؛ من يجرؤ على النظر فيها، لا يرى وجهه بل حقيقته.

كل قصيدة صلواتٌ صامتة، وكل بيتٍ طريق إلى النور.

  1. الأنوثة التي تفكّر… لا التي تُستهلك

في «صبا الروح»، تتجلّى الأنوثة الفيلسوفة،

الأنوثة التي لا تطلب اعترافًا من العالم، بل تمنحه تعريفه الجديد للإنسان.

سلمى جبران لا تكتب كامرأةٍ تشتكي، بل كـ إنسانةٍ تفهم.

تُحاور الوجع كما يُحاور الحكيمُ النار، لتتعلم منها شكل الضوء.

“لستُ ظلًّا لرجولةٍ تستعير سطوتها من خوفي،
أنا النور الذي يراك حين تغمضُ وعيك.”

هكذا تكتب الشاعرة نفسها، لا لتعلن تمردًا، بل لتقيم سلامًا داخليًا.

فالتحرر عندها ليس صخبًا، بل وعيًا.

هي أنثى تصغي، تُحاور، تُسامح، وتغفر — لا لأنها ضعيفة، بل لأنها تملك اللغة التي لا يعرفها الضعف.

  1. الحبّ كمعرفةٍ لا كضعف

يظنّ الناس أن الحبّ يُضعف الشعراء، لكن سلمى جبران تثبت العكس.

فالحبّ في ديوانها ليس حكاية، بل مختبر معرفة.

في قصائدها، لا نرى حبيبًا من لحم ودم، بل صوتًا وجوديًا، مرآةً عميقة ترى فيها الشاعرة نفسها.

“أحببتك لأرى نفسي، لا لأمتلكك.”

يا لها من جملةٍ تختصر تاريخ العشق بأكمله.

الحبّ عند سلمى ليس غياب عقل، بل يقظة روح.

ليس امتلاكًا لجسدٍ، بل اكتشافًا لسرّ الحياة.

في قصيدتها «وهم الرجولة»، تحطم برفقٍ أسطورة القوة،

فتكشف عن رجولةٍ أكثر إنسانية، رجولةٍ تعرف دمعتها ولا تخجل منها.

هنا الحبّ لا يُفرّق بين رجلٍ وامرأة، بل يجمعهما في مقام الإنسان الأول،

حيث لا تفاضل إلا بصدق القلب.

  1. بين الله والإنسان… القصيدة جسر من صلاة

في قصائد مثل «عبث الوجود» و«إضاءة داخلية» و«اللاشيء»،

تدخل سلمى جبران في حوارٍ مدهشٍ مع الله — لا حوار العبد الراجف، بل حوار العارف الحائر.

تسأله كما تسأل الأمّ ابنها عن سبب وجعه، لا لتعاتبه، بل لتفهمه.

“أُحاور الله في داخلي…
أخاف أن يسمعني النور، فيفضح قلبي وهو يبتسم.”

إنها صلاة من طينٍ ونجوم، لا تُقال في مسجدٍ أو كنيسة،

بل في باطن الروح حين تسكنها العاصفة.

هذه الجرأة الهادئة — أن تسائل الله بالمحبّة لا بالخوف —

هي ما يمنح هذا الديوان عمقه الفلسفي والروحي معًا.

  1. الأمومة والطفولة… عودة الكائن إلى أصله

تظهر الأمومة في «صبا الروح» لا كحدثٍ بيولوجيّ،

بل كرمزٍ للخصب المعنويّ، للحياة التي تنبت من الحنين.

في «طيف الأم» و«أمومة عنيدة»، الأمّ هي ذاكرة الضوء،

هي الوطن الذي يسكن في صدر الشاعرة لا في الخارطة.

“تغيبين يا أمي… وأظلّ أراكِ في وجه الصباح،
تفتحين لي نافذةً في قلبي قبل أن أستيقظ.”

أما الطفولة، فهي المنبع الأول للنقاء،

تستعيدها الشاعرة لا لتبكيها، بل لتذكّر نفسها أن الروح لا تشيخ إلا إذا توقّفت عن الحلم.

  1. لغة تُكتَب بالنَفَس لا بالقلم

لغة سلمى جبران ليست زخرفًا بل كشف.

تكتب كما يتنفس الطفل أول كلمة، بلا تكلّفٍ ولا خوف.

كلماتها بسيطة في ظاهرها، لكنها تشفّ عن عمقٍ لا يُدرك إلا بالإحساس.

هي لغة الضوء حين ينسكب على الماء،

تتغير مع كل زاوية نظر، لكنها تبقى ماءً ونورًا في آنٍ واحد.

“أنثر نفسي رمادًا على وجه الغياب…”

في هذا البيت وحده، تختصر الشاعرة فلسفة الوجود:

أن نحترق لننير، أن نفنى لنعود أنقى.

  1. الإيقاع الداخلي: موسيقى الروح لا موسيقى العَروض

في «صبا الروح» لا نسمع بحور الشعر، بل أنفاس القلب.

الإيقاع هنا لا يُقاس بالعروض، بل بالوجدان.

كل تكرارٍ في النصّ هو خطوةُ صلاة، كل سطرٍ تنهيدةُ نجاة.

هذه الموسيقى الوجدانية تجعل الديوان قابلاً للترجمة دون أن يفقد نوره،

لأن جماله ليس في الوزن، بل في الصدق الشعوريّ والمشهد البصريّ.

  1. دلالات الخمر والنور والظلّ

الرموز في هذا العمل ليست للزينة، بل للتطهير.

الخمر عندها ليست لذّةً، بل انخطافٌ نحو المعرفة:

“خمري دمي… أسكرني بي حتى صحوتُ منك.”

أما النور والظلّ فهما جدليّة الإدراك:

النور وعي، والظلّ تأمّل، وبينهما تنمو الحقيقة.

وفي هذا التبادل بين الضوء والعتمة، تولد القصيدة التي لا تعرف الثبات،

بل تعيش ككائنٍ متحوّلٍ يخلق نفسه في كل قراءة.

  1. سلمى جبران… حين تكتب لتُحرر الوجود من الخوف

سلمى جبران ليست شاعرة فحسب؛ إنها صوتٌ أنثويٌّ كونيٌّ،

خرج من القيود ليعيد للأنوثة معناها الأعمق: الحكمة، الرأفة، الصفاء، والقدرة على تحويل الألم إلى وعي.

كل قصيدة من «صبا الروح» تقول لنا إن الشعر لا يُكتَب بالحبر، بل بالجرح،

وأن الجرح حين يُحبّ، يصير نافذةً يرى منها الله ذاته في الإنسان.

سلمى لا تكتب لتنال إعجابًا، بل لتُداوي العالم بكلمةٍ نقيّةٍ كدمعة صلاة.

قصائدها مثل الأرواح التي لم تتعلّم الكذب بعد.

  1. خاتمة: الشعر حين يصير خلاصًا

«صبا الروح» ليس ديوانًا يُقرأ، بل تجربة تُعاش.

هو رسالة محبّة من الذات إلى ذاتها، ومن الإنسان إلى الوجود.

وفي زمنٍ فقد فيه الشعر طهارته، تعيد لنا سلمى جبران الإيمان بأن الكلمة قادرة على الإنقاذ.

ديوانها يعيد تعريف الشعر بأنه:

“أن تحيا وأنت تصغي إلى صمتك… فتسمع الله يتكلم في داخلك.”

وهذا، في جوهره، هو السرّ العظيم للشعراء الحقيقيين.

إشادة ختامية بالشاعرة سلمى جبران

إن ما فعلته سلمى جبران في «صبا الروح» لا يفعله سوى الكبار الذين يكتبون بقلوبهم لا بأقلامهم.

هي شاعرة الضوء الهادئ، التي تشبه في حضورها النسيمَ حين يمرّ في قلب النار فلا يحترق.

أعادت إلينا معنى الشعر كفضاءٍ للرحمة والدهشة،

ومكانٍ تتجلّى فيه الأنوثة كوعيٍ، والإنسانية كإيمانٍ، والكتابة كخلاصٍ نبيلٍ من الفوضى.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقمع حملة قطف الزيتون 2025 في النزلة الشرقية

شفا – أطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز باتجاه المشاركين في فعاليات حملة قطف الزيتون 2025 …