
سلوك حماس في قطاع غزة يتنافى مع دور المقاومة والتحرر الوطني ، بقلم : عمران الخطيب
تعود حركة حماس إلى الانتشار في المناطق التي انسحب منها الاحتلال الإسرائيلي نتيجة مبادرة قُدِّمت في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. هذه المبادرة، وإن كانت أقلّ من توقعات الفلسطينيين وربما مجحِفة، احتوت بندًا مهمًا يتعلق بوقف الحرب في قطاع غزة، وتسليم المحتجزين الإسرائيليين، وانسحابًا تدريجيًا للاحتلال من القطاع حتى الحالة السابقة ليوم 7 أكتوبر 2023. وبغض النظر عن تفاصيل ونتائج أحداث «طوفان الأقصى» والتي دفعت الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ثمنًا باهظًا خلال عامين من العدوان والقتل الجماعي من قبل جيش الاحتلال، فإن ما يحدث داخل القطاع من ممارسات لمليشيات تابعة لحماس يستدعي وقفة جادة.
إن عودة مليشيات حماس لممارسة القمع والقتل والاعتداءات والإعدامات الميدانية، وتبرير ذلك بالتعاون مع «العدوّ الصهيوني» أو بسرقة المساعدات أو أي مبررات إعلامية، هي ممارسات تدينها الضمير والضمير الوطني. لا شكّ في أنه يجب محاسبة كل من تعاون مع الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة العدوان، لكن المحاسبة يجب أن تكون عبر القضاء والجهات القانونية المختصة، عبر محاكمات عادلة تستند إلى القوانين والعقوبات القانونية المعمول بها.
داخل حركة حماس شرائح متعددة — من بينهم محامون وقضاة وشخصيات سياسية — علينا أن نتوقع منهم أداء مسؤوليتهم الوطنية والأخلاقية لوقف هذه الانتهاكات، لأن استمرارها يقدم نموذجًا سيئًا أمام الشعوب التي تقف وتتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني، الذي قدّم الغالي والنفيس في الصمود أمام محنة الإبادة الجماعية في غزة.
لقد سمح الرئيس دونالد ترامب، وفقًا لما يُروج له، بانتشار عناصر شرطة تابعة لحماس داخل قطاع غزة لمرحلة انتقالية إلى حين إعادة تنظيم الأمن وتولّي الإدارة الجديدة والشرطة الفلسطينية وسلطة معبر رفح والأمن الداخلي في المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال. ويُقرأ هذا التحرك على أنه محاولة لتعزيز الرواية القائلة بأن الفلسطينيين غير مؤهلين لتولي مسؤولية حكم أنفسهم، مما قد يؤدي إلى تكريس بقاء الاحتلال وتحويل غزة إلى محمية ذات نفوذ أمريكي–إسرائيلي، مع احتمال مشاركة قوات متعددة الجنسيات، وتأبيد الانقسام الفلسطيني وفصل غزة جغرافيًا عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبالتالي عرقلة قيام الدولة الفلسطينية.
لذلك، تشكل الانتهاكات التي ترتكبها بعض مليشيات حماس مدخلاً خطيرًا نحو حرب أهلية داخل القطاع. وفي ظل شبهة تزويد جهات خارجية بالسلاح لتعزيز الفتنة الداخلية، تقع على عاتق حركة حماس والفصائل الأخرى والشخصيات الوطنية المستقلة مسؤولية تحييد مثل هذه المخططات والعمل معًا لإجهاضها. الأهم من ذلك أنه يجب أن تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة الشاملة على قطاع غزة قبل أن ينزلق الوضع نحو فتنة داخلية مدمرة.
الحل الوطني يتطلب الاستجابة لدعوة جمهورية مصر العربية لعقد حوارات فلسطينية شاملة تؤدي إلى اتفاق تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، يحمي المشروع الوطني ويمنع الانقسام ويكفّ الفتنة. هذه مسؤولية وطنية تستلزم تحركًا عاجلًا من جميع الأطراف.
عمران الخطيب