10:57 مساءً / 8 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

نَشِيدُ الرَّمَادِ وَالضَّوْءِ ، حينَ يرسمُ القلبُ ما لا تحتملهُ العينُ ، لوحات الفنان محمد الدغليس ، بقلم : د. وليد العريض

نَشِيدُ الرَّمَادِ وَالضَّوْءِ ، حينَ يرسمُ القلبُ ما لا تحتملهُ العينُ ، لوحات الفنان محمد الدغليس ، بقلم : د. وليد العريض

نَشِيدُ الرَّمَادِ وَالضَّوْءِ ، حينَ يرسمُ القلبُ ما لا تحتملهُ العينُ ، لوحات الفنان محمد الدغليس ، بقلم : د. وليد العريض

لم تكن هذه اللوحات رُسومًا على قماش، بل ارتعاشاتِ قلبٍ يبحث عن معنى البقاء في زمنٍ بلا رحمة.
الألوان هنا ليست زينةً للبصر، بل أنينٌ مكتومٌ في صدر الأرض.
كلّ ضربة فرشاةٍ محاولةُ نجاة، وكلّ بقعةٍ من الضوء صرخةُ روحٍ ترفض أن تُطفأ.
الفنان لا يرسم ما يرى، بل ما يخشاه أن يُمحى يرسم كي يُقاوم، كي لا يُصاب العالم بالعمى الكامل.
إنه نشيدٌ تُنشدُه الألوان حين يعجز الكلام، وتبكيه الجدران بصمتٍ نبيلٍ لا يشكو.

لم تكن هذه اللوحات تُرسم بالألوان، بل بالنبض، كأنّ القلبَ نفسه كان يمسك الفرشاة ويرتعش مع كلّ ضربةٍ من الضوء أو العتمة.
كلّ لونٍ هنا يئنّ وكلّ ظلٍّ يروي حكايةَ روحٍ عبرت من الحياة إلى الذاكرة.
ليست هذه المشاهدُ بصريةً بقدر ما هي مرايا متكسّرةٌ لزمنٍ فقد إنسانيته وراح يبحث عن وجهه في رماد الحروب.
تبدأ الحكاية بليلٍ أزرق، ناعمٍ كحلمٍ يرفض أن يستيقظ.
بيوتٌ من طينٍ أضاءها القمر ونافذةٌ وحيدة ما زالت تُطلّ على نسمةٍ من حياة.
كلّ شيءٍ ساكن، حتى الخوفُ يبدو نائمًا على العتبات.
وفي تلك الزرقة، يسير ظلّان يبحثان عن معنى النجاة في عالمٍ غارقٍ في الفقد.
لكنّ هذا الهدوء سرعان ما يتشظّى بانفجارٍ صامت، كأنّ اللوحة نفسها تختنق.
وجوهُ أطفالٍ وسط الركام، أمٌّ ترفع عينيها إلى السماء كأنها تسأل الله عن موعد الرحمة ومدينةٌ تُطفئ قنديلها الأخير لتنام على صدر الحطام.
ثمّ تشتعل الأرض.
العالم في اللوحة ليس كوكبًا، بل جرحًا كونيًّا.
القاراتُ تسبح في بحرٍ من نار وسلاسلُ من لهبٍ تطوّقها كأخطبوطٍ جائعٍ للبشر.
الأجساد الراكعة حول الخريطة لا تصلّي لله، بل لسلامٍ لم يأتِ، لوطنٍ صار مجرّد خيالٍ في دفاتر الأمم.
ومع ذلك يخرج من اللهيب ضوءٌ خافت، كأنّ الأرضَ تبتهل ألّا تنطفئ الروحُ فيها مهما احترقت.
ففي أقصى العتمة، قنديـلٌ صغيرٌ يقاوم مئذنةٌ تصعد وقمرٌ يمدّ خيطًا من نورٍ على بيتٍ أزرقَ نجا من الدمار.
كأنّ الله قال للّون: ابقَ… ليبقى الأمل.

هنا يتجلّى الفنان شاهدًا لا واعظًا، عاشقًا لا ناقمًا.
يمزج الجرحَ بالرجاء، ويحوّل الرمادَ إلى وترٍ جديدٍ في أغنية الحياة.
لوحاته ليست رثاءً للعالم، بل درسٌ في الإصرار على أن الجمال لا يموت… بل يغيّر شكله فقط.

ما بين الرماد والضوء، يقف الإنسانُ عاريًا من كلّ زيفه، متلبّسًا بحقيقته الأولى: أنه كائنٌ يبحث عن معنى.
وحين يُمسك الفرشاة أو القلم، فإنه لا يرسم لونًا، بل يكتب شهادة ميلادٍ جديدة للحياة بعد موتها.
هذه اللوحات لا تبرّر الألم، لكنها تُهذّبه.
تقول لنا إنّ الوجعَ حين يُروى بالفن، يصير أقلَّ توحّشًا، وأكثر إنسانيةً.
فما دام في القلب قنديل، فثمة ضوءٌ ينتظر أن يولد من الرماد.

شاهد أيضاً

السفير الفلسطيني في لبنان يرحب بقرار السماح بادخال الأدوات الكهربائية والأثاث المنزلي إلى المخيمات في صور

شفا – رحب سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية، محمد الأسعد، بالخطوة الإيجابية التي تعكس …