
الدكتورة تهاني رفعت بشارات تكتب .. ” شبكة فلسطين للأنباء شفا ” ذاكرة الوطن وضمير الحقيقة
في زمنٍ امتلأت فيه الساحات الإعلامية بالضجيج، وتاهت الحقيقة بين زوايا المصالح والمغالطات، بزغت شبكة فلسطين للأنباء – شفا كفجرٍ صادقٍ في ليلٍ طويل، وكصوتٍ نقيّ يحمل الوطن في حروفه، وينسج من الخبر وجداناً نابضاً بالانتماء والوعي. لم تكن “شفا”مجرد نافذةٍ إعلاميةٍ تُبثّ عبرها الأخبار، بل كانت وما تزال روحاً حيّة تسكن الفضاء الفلسطيني، تكتب بالصدق، وتنقل بالمسؤولية، وتؤمن أن الكلمة المخلصة قد تصنع ما تعجز عنه البنادق أحياناً.
من يتصفح صفحات “شفا” يشعر أن بين السطور أنفاساً فلسطينيةً لا تهدأ، تسرد الحكاية كما هي، دون تزييفٍ أو تجميل، فكل تقريرٍ فيها ينبض بالحياة، وكل مقالٍ يحمل بين جمله رائحة الأرض ودم الشهداء ودموع الأمهات. ليست “شفا” مجرد وسيلةٍ إعلامية، بل وطنٌ مصغّر في فضاءٍ رقمي، بيتٌ يحتضن الكلمة الحرة، ويحفظ الذاكرة من أن تتبدّد في زحمة الأحداث. وكأنها تقول لكل قارئ: لسنا نروي الأخبار، بل نكتب ذاكرة وطنٍ لا ينسى.
لقد استطاعت الشبكة، بعزيمة القائمين عليها، أن تصنع هويةً إعلاميةً فريدة تمزج بين الرصانة الأكاديمية والالتزام الوطني، وبين الدقة الصحفية والروح الإنسانية. فهي ترى أن الإعلام ليس صدىً للحدث فحسب، بل هو فعل وعيٍ ومقاومةٍ ومعرفة. في عالمٍ يضجّ بالمعلومة، اختارت “شفا” أن تكون صوتاً للحقيقة لا صدىً لها، وأن تحارب التضليل بالتحليل، وتواجه التشويه بالوعي. ولهذا أصبحت مرجعاً للباحثين، ومنبراً للأكاديميين والمفكرين والكتّاب، وذاكرةً حيةً تواكب المسيرة الفلسطينية بحروفٍ من ضوء.
وما يميز “شفا”حقاً هو قدرتها على الجمع بين المهنية والرسالة، فهي لا تلهث خلف الإثارة الإعلامية ولا تتزين بالعناوين الرنانة، بل تزرع الخبر كما يُزرع الزيتون في تربة فلسطين: بعنايةٍ وصبرٍ وإيمانٍ بالجدوى. إنّها مدرسة في الإعلام المسؤول، الذي يرى في كل حدثٍ فرصةً للوعي، وفي كل مأساةٍ مساحةً للأمل، وفي كل كلمةٍ نضالاً مستمراً من أجل الحقيقة.
ومع مرور السنوات، تحولت “شفا” إلى مرآةٍ صادقةٍ للمشهد الفلسطيني، توثّق التضحيات، وتُبرز الإنجازات، وتسلّط الضوء على قصص العطاء التي تشقّ طريقها وسط الرماد. فهي تكتب عن الشهداء لا كأرقامٍ في سجلّ الفقد، بل كأرواحٍ خالدةٍ تزيّن سماء الوطن. وتُبرز المبدعين الفلسطينيين في كل مجال، لأنّها تؤمن أن المقاومة لا تكون بالبندقية وحدها، بل بالفكر، والعلم، والكلمة، والإبداع.
في المشهد العربي والعالمي، حيث تكثر المنصات وتغيب الرسالة، تبقى “شفا” استثناءً لافتاً، تمثّل نموذجاً للإعلام المقاوم النبيل، الذي يواجه بالوعي، ويقارع بالمعرفة، ويؤمن أن الحقيقة هي أقوى أشكال النضال. إنها كالسنبلة التي تنحني تواضعاً لكنها لا تنكسر، وكالقدس التي تُحاصر كل يوم ولا تفقد قداستها، وكالزيتونة التي تقاوم كل عاصفة لتبقى شاهدةً على البقاء والكرامة.
وليس غريباً أن يشعر كل فلسطيني أن “شفا” بيته الإعلامي الأول، وملاذ كلماته، ومساحة أمله. فقد كانت الداعم والسند لكل صاحب فكرٍ أو قلمٍ أو حلمٍ. فتحت أبوابها للشباب الطموح، وشجعتهم على الكتابة والمشاركة والإبداع، مؤمنةً أن صوت الجيل الجديد هو الامتداد الطبيعي للرسالة الوطنية والإعلامية.
وأنا شخصياً، أعتز وأفخر بأنني كتبت في رحاب هذه الشبكة العريقة، التي منحتني فضاءً رحباً للكتابة في مجالاتٍ علميةٍ وثقافيةٍ وإنسانيةٍ وأكاديمية. كانت “شفا” دائماً الحاضنة والداعم الحقيقي، تقف خلف كل قلمٍ حرّ، وتمنحه الثقة والفرصة ليُعبّر عن فكره وحلمه وانتمائه. لذلك، فإنّ شكري وتقديري العميق يذهب إلى هذه الشبكة الوطنية الرائدة، وإلى كل من أسهم في جعلها منارةً تشعّ في سماء الإعلام الفلسطيني والعربي.
إنّ “شبكة فلسطين للأنباء – شفا” ليست مجرد عنوانٍ إعلامي، بل هي حكاية وطنٍ تُكتب كل يوم، وسيرة صدقٍ تُسجّل في وجدان كل فلسطينيٍّ حرّ. هي صوت الحقيقة حين يصمت الجميع، وذاكرة الوطن حين يحاولون محوها، ونبضٌ لا يخبو في قلب فلسطين.
نحو إعلامٍ وطنيٍّ عالميٍّ واعٍ ومؤثر، تظلّ شفا البيت الكبير لكل فلسطينيٍّ حالم، ولكل باحثٍ ومثقفٍ ومبدعٍ يحمل همّ الكلمة الصادقة… فالكلمة الحرة التي تكتبها شفا ليست مجرد خبر، بل وعدٌ بالخلود.