
انتخابات نقابة الأطباء في فلسطين … استحقاق وطني لإعادة الاعتبار للجسم النقابي وتجديد الثقة بين الطبيب ونقابته ، بقلم : معروف الرفاعي
مع اقتراب موعد انتخابات نقابة الأطباء الفلسطينيين المقررة في الأسبوع الأخير من الشهر القادم، تتجه الأنظار إلى هذا الاستحقاق النقابي الحاسم بوصفه فرصة حقيقية لإعادة بناء جسم نقابي وطني مستقل وفاعل، يعيد الاعتبار لدور النقابة في حياة الطبيب الفلسطيني، ويعزز الثقة بين النقابة وقاعدتها المهنية التي طالما شعرت بالتهميش والخذلان في قضاياها الحيوية والمهنية والمعيشية.
تشير المعطيات إلى أزمة ثقة متنامية بين شريحة واسعة من الأطباء ونقابتهم الحالية، تتجلى بوضوح في ضعف نسب الانتساب الفعلي وتسديد رسوم الاشتراكات، فعلى سبيل المثال، في محافظة القدس وحدها، يزيد عدد الأطباء المسجلين عن 2000 طبيب، بينما لم يتجاوز عدد من سددوا اشتراكاتهم السنوية 300 طبيب فقط، وهذا الرقم ليس مجرد إحصائية بل مؤشر خطير على حالة عزوف واغتراب يعاني منها الطبيب تجاه مؤسسته النقابية، ويستوجب مراجعة جذرية لأداء النقابات السابقة وأسلوب إدارتها، وقدرتها على تمثيل الأطباء وخدمة قضاياهم.
إن التجربة النقابية الفلسطينية تحتاج اليوم إلى نقلة نوعية تُعيد الاعتبار لدور النقابة ككيان وطني جامع، لا كمنصة للتجاذبات السياسية أو الفصائلية أو أداة انتخابية موسمية، فالنقابة الوطنية المنشودة هي التي تحافظ على استقلاليتها، وتعتمد في شرعيتها على ما تقدمه من خدمات علمية ومهنية ومعيشية، لا على المحاصصة أو الولاءات التنظيمية.
هذه النقابة يجب أن تكون صوت الطبيب الفلسطيني في كل الميادين، تدافع عن حقوقه، وتحمي مصالحه، وتوفر له شبكة حماية مهنية ومجتمعية، بما يشمل تفعيل برامج الدعم المهني والعلمي من خلال توفير فرص تدريب متقدمة، وتنظيم مؤتمرات وورش عمل طبية بالتعاون مع الجامعات والنقابات الدولية.
وأن تقدم تسهيلات حياتية ملموسة تشمل توفير قروض ميسّرة، وبرامج إسكان للأطباء، وتنسيق رحلات علمية وترفيهية لهم ولعائلاتهم، والتفاعل مع قضايا الخريجين الجدد وطلاب الامتياز، وتأمين فرص التدريب والتشغيل من خلال شراكات فعالة مع المستشفيات الحكومية والخاصة، ووزارة الصحة، والمساهمة في تنظيم سوق العمل الطبي عبر توجيه الطلاب نحو التخصصات النادرة والطلب العالي، لتفادي تخمة الخريجين في مجالات محددة، وتفاقم البطالة الطبية، لا سيما بين خريجي الجامعات الوطنية، وتحقيق الحماية القانونية للأطباء، وضمان تمثيلهم في القضايا المتعلقة بأخلاقيات المهنة والمساءلة والحقوق العادلة، وتوفير مظلة نقابية قانونية تحميهم من الاعتداءات أو التجاوزات.
إن الدعوة اليوم موجّهة لكل طبيب فلسطيني، في القدس والضفة، بأن يمارس دوره النقابي والمهني بوعي وجرأة، ويشارك في التغيير الحقيقي من خلال تسديد رسوم الاشتراك النقابي التي تشكل البوابة القانونية للمشاركة في الانتخابات، والتصويت لصالح الكفاءات الوطنية والمهنية التي تمتلك رؤية واضحة وتاريخاً نظيفاً وقدرة على إدارة العمل النقابي بعيداً عن الاصطفافات والمصالح الشخصية، والانخراط في مسار التجديد النقابي من خلال الانضمام للجان النقابة والعمل المشترك، وتقديم الأفكار والمبادرات.
في دول العالم والنقابات المهنية الرائدة، يتسابق الأطباء على الانتساب إلى نقاباتهم لما توفره لهم من حماية ومزايا وتطوير مستمر. ونحن نؤمن أن الطبيب الفلسطيني لا يقل كفاءة ولا حاجة، بل هو أكثر من يستحق نقابة فاعلة، ترفع صوته، وتحفظ كرامته، وتدافع عن وجوده، وتبني مستقبله، وتجعله شريكاً لا متلقياً فقط.
لهذا، فإن الاستحقاق الانتخابي المقبل ليس مجرد عملية ديمقراطية شكلية، بل فرصة لإعادة الحياة لجسم نقابي كاد أن يتحول إلى جهاز بيروقراطي معزول، وهذه دعوة مفتوحة لبناء نقابة تخدم وتفعل، وتستعيد دورها القيادي والطليعي، وترتقي لتكون عنوانًا للعدالة النقابية، والتقدم المهني، والتكافل المجتمعي.