
شفا – خاص ، أجرت الإعلامية والناشطة النسوية سماح عزام ، حوراً صحفياً مع الكاتب والروائي والمفكر الإسلامي محمد نبيل كبها في حوار خاص وجريء ، حول مفهومه للفلسفة، وتحدثت معه في قضايا متعددة وعلى رأسها ال “Feminism” وتناولت قضايا في الدين، كمفهوم عذاب القبر والمؤسسة الزوجية وغيرها.
وافتتحت الإعلامية سماح عزام الحوار قائلة: الفلسفة من أعمق المجالات الإنسانية التي تُسهم في تشكيل رؤيتنا للعالم ولأنفسنا. ومن بين الكتب التي تسلط الضوء على هذا المجال، يبرز كتابك (عين الفيلسوف) والذي وصل الى العالمية، ودُرّست فصوله الفلسفية والوجودية في بعض الجامعات العربية، وهو الان يُترجم الى الانجليزية.
س: يلاحظ بشكل جَلي أن أفكارك وكتبك غنية بالفلسفة، بل وتعتبر ركيزة فيها، ما هو مفهومك للفلسفة؟
ج: في البداية علينا أن نعرّف ما هي الفلسفة.. فيلسوف تقابل السوفسطائي ، والسوفسطائي تعني حكيم، وهم معلمون متغطرسون إحترفوا البلاغة والكلام والعلوم في أغلب المجالات، فإدعوا الحكمة ونسبوها لأنفسهم وإحتكروها، فجاء ( سقراط ) ليقول بكل تواضع : “أنا لست حكيما، ولكني محب للحكمة”، فظهر مفهوم فيلوسوفي.
فِيلوسوفي : حبّ الحكمة (فيلو : الحب ، سوفي: حكمة )
فِيليسوف تعني : مُحب للحكمة
سقراط هو الذي أعطى (الفلسفة) نعتها، وتصدى للسفسطائيين، لذلك كان أول فيلسوف هو سقراط ثم تلميذه أفلاطون ثم تلميذه أرسطو
البحث في الفلسفة بالنسبة لي هي البحث في الوجود، والبحث في الإنسان مستقل عن هذا الوجود علاقته بالوجود، والبحث عن ما وراء الوجود
الوجود (الطبيعة) ينطوي تحت جناحها علم ( الكوزمولوجي ، الأسترونومي ، الأنتولوجي ، البيولوجي (علم الأحياء) ، الإيكولوجي ( عام البيئة ) والفيزيكس ( الفيزياء ) وكل العلوم الطبيعية الأخرى ، الرياضيات طبعا لا تعد من العلوم الطبيعية ، ولكن لها علاقة وطيدة بها.
البحث في الإنسان مستقل عن الوجود ينطوي تحت جناحها علم ( الأنثروبولوجي) و (Ethics) علم الاخلاق.
البحث عن ما وراء الوجود ينطوي تحت جنحها (Theology) و((Metaphysics المتافيزيقا: ما وراء الطبيعة.
بمفهوم مبسّط : الفلسفة بالنسبة لي هي سعي الإنسان نحو فهم ذاته والوجود الموضوعي من حوله، وفهم ما وراء الوجود.
س: الانسان كائن مكون من الجسد والنفس، ما هو الفرق بينهم؟
ج: علينا أن نعرف الانسان، والانسان هو كائن مركب من جسد ونفس وروح
الجسد هو المادّة، وتتكون من ( الماء والتراب ) الفيزياء، فقال تعالى : إني خالق بشرا من طين.
الان- البدن إذا إنفصلت عنه النفس نقول عنه: “الجسد”، فقال تعالى في عجل السامري : ” جَسَداً لَهُ خُوَارٌ”.
أما البدن إذا إتصل به النفس نقول عنه: “الجسم”، فقال تعالى في طالوت: “وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ”.
أمّا النفس: هي التي تتنفس الأكسوجين، وتشمل كل الكائنات الحية بما فيها الانسان، قال تعالى : “كل نفس ذائقة الموت” ،،، وقال تعالى : “وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ”،،، وقال تعالى : “الله يتوفى الأنفس حين موتها”.
أمّا الروح: هي خصيصة الإنسان فقط، وهي النفحة الربانية التي نفحت في الانسان وحدة فقط. ، قال تعالى : “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين”، والروح لم تنفخ الا في الانسان فقط ، ولو نفخت في غيره ( كالشيطان او كالملائكة أو الحيوانات) لسجنا نحن لها، ولكنها دبت في الانسان فقط، ولهذا السبب أضحى الانسان مسجود الملائكة.
الان- ما هي الروح؟
الروح ككنه ماهية لا نعلم عنها شيء، ولكن قد نقترب من معناها، ولذلك أنا سأتحدث عن الروح كمعنى وليس كمبنى.
الروح هي التي جعلت الإنسان يقفز فوق الطبيعة والمادة، هي التي جعلته يؤسس علم الميتافيزيق والثيولوجي والثاناتولوجي، ويسير الى الماضي ويتنبأ في المستقبل ويبحث ويسأل في الموت، قال رسول ص : لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم بنو آدم ما أكلتم منها سمينا ،،، اذن البهائم لا تعلم الموت، لكن الانسان يعلم الموت ويحذر منه، ولذلك كتب أبحاث ودراسات عديدة فيه، ومن جملتها تجربة “العائدون من الموت”، ولكن العنوان الاقرب اليها بالنسبة لي “الاقتراب من الموت”، لنه لا يوجد انسان يموت ثم يعود للحياة “اذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون” وكانت هذه التجربة هي مقدمة لتأسيس علم الثناتولوجي ، والذي لا يقتصر على دراسة الموت الفيزيائي للانسان فقط، وانما يقفز خلف هذه الفيزياء.
ولكي أكون واضحا أن الله تعالى أضاف الروح الى نفسه اضافة تشريف، فقال : “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي”،،،، “من” بعضية وليست جزئية، يعني روح من عند الله وليس جزءا من الله، لأن الله لا يتجزء ، وانما هي شيء مقدس عند الله ، وأضافها الله الى ذاته الشريفة اضافة تشريف، كأن تقول : الكعبة بيت الله، هل هذا يعني أن الله يسكن الكعبة ؟ طبعا لا ، وانما اضافة تشريف ، أو كأن تقول : ناقة الله ، أوعيسى روح الله .
نحن كأي كائن حي نشب ونشيب ونحيا ونموت بالنفس، ولكن لا يوجد أي كائن حي يبحر بالمستقبل ويقلق من الموت ويسأل عن الغيب سوى الإنسان، وهذه هي استبصارات الروح الانسانية، والتي ظهرت بسببها فلسفة الموت والقلق منه.
س: ما هو مفهومك لعذاب القبر؟
ج: معظم مشايخ وعلماء المسلمين يؤمنون إيماناً قطعيّاً بأن هناك عذاب في القبر يقع على الجسد بعد الموت، وقلّة منهم من أنكر هذا العذاب جملةً وتفصيلاً.
وهناك فريق ثالث كان يؤمن ثم عدل عن رأيه وأنكر عذاب القبر، كأشهر مُفسّر للمصحف الكريم في العصر الحديث الشيخ الفاضل (محمد متولي الشعراوي) رحمه الله، الذي أنكر عذاب القبر قبل بضعة سنوات من وفاته.. رحمه الله.
أمّا عن نفسي فإنني أعتقد أنه يوجد ذعاب قبر، ولكنه صوري وليس فيزيائي.
أعتقد أن الانسان لا يدخل في العدم عند موته، بمعنى أنه لا ينتهي كليّاً بعد الموت، فعند قبض النّفس ينعدم الهيكل الفيزيائي للإنسان، لكن لا تنعدم الروح، وإنما تنتقل من عالم لآخر، حيث يكون لها وجود في بُعدٍ آخر “البرزخ”، وهذا الوجود البرزخي يتواجد معه نوع من الإدراك، بمعنى أن الروح يتخللها نوع من الإدراك.
وادراك الإنسان يمر بثلاثة مراحل: الأول “إدراك المُستيقظ والواعي”، والثاني “إدراك النّائم”، والثالث “إدراك الميّت”، ولا أريد ان أتطرق الآن عن إدراك المُستيقظ فهو مفهوم، بل سأتحدّث عن إدراك النّائم.
عندما ينام الإنسان ويغوص في حلم مُعيّن، ويرى فيه مثلاً أن هناك أفعى تتجه نحوه لتبلعه، وهو متمسمر مكانهُ خوفاً ورعباً.
في الحقيقة أنه نائم، وجسده بخير، إلا أنه إستيقظ مرعوباًّ، وتأثر جسدة الفيزيائي مع أنه كان يحلم! لقد كان حلماً، إلا أنه كان عذاباّ بحد ذاته مع أنّه لم يمس الجسد، فكيف لو نال منه؟ إنّ الحاصل هنا في الواقع أنّ الذي شاهد الحلم هو عين الروح، فهي التي تمسمرت وخافت.
هناك حالتين عند دخول الإنسان في النوم، فإما أن يرى أحلاماً جميلة ومبشّرة، أو أحلاما مرعبة وغير سارّة، وهذا هو إدراك النّائم؛ وإدراك الميّت شبيه بإدراك النّائم، فمن فارق هذه الحياة إما ستبصر روحه مرائي جميلة أو كوابيس مرعبة، ولكن الفارق بينهما هو أنه لا يوجد جسد فيزيائي في حالة الموت، ويكون الميت أمام صورة واحدة يشاهدها باستمرار حتى يُبعث للحساب بجسد فيزيائي جديد يوم الدين.
لا يوجد عذاب فيزيائي وجسدي للانسان قبل الحساب! بدليل قوله تعالى: “قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ” (الآية رقم 52 من سورة يس) والمرقد في اللغة العربيّة هو النوم الطويل.
ودليل ثانٍ في موضع آخر في قوله تعالى: “النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ” (الآية رقم 46 من سورة غافر) إنّ تفسير كلمة “يُعرضون” في الّلغة العربيّة أي “يشاهدون”، يشاهدون النار وتُقدّم لهم أمام أعينهم، والذي يرى ويُشاهد ويُدرك في هذه اللحظة هي الرّوح وليس الجسد، (ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب ) اذن… العذاب المادّي والفيزيائي سيقع على الجسد لاحقاً، يوم القيامة بعد الحساب، ولا عذاب قبل الحساب.
وقال تعالى في “أبو لهب” عم الرسول صلى الله عليه وسلم: “سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ” (الآية رقم 3 من سورة المسد) كلمة “سيصلى” في الآية هي فعل مُضارع، معنى ذلك أنه لم يتلقّى العذاب الجسدي بعد! وسيصلاهُ ويذوقهُ يوم القيامة بعد الحساب.
س: ذكرت في كتبك أن الدين واحد، هل معنى ذلك أنه لا يوجد دين مسيحي أو يهودي؟ واذا لم تكن أديانا ما نسميها؟
ج: صحيح.. الدين واحد، فلم أخذتوه وصنعتوه أديانا
هناك كم كبير من اللغط المنتشر عند الناس عامة والمسلمين خاصّة، وهذا الإشكال يتعلق في مسألة الأديان، فحسب إطلاعي وبحثي إنتهيت إلى أنّ دين النوع الإنساني واحد، وهو الإسلام الذي إرتضاه الله تبارك وتعالى من آدم عليه السلام الى محمد ﷺ، الدين واحد، فلم أخذتوه وصنعتوه وحوّلتوه أديانا؟! قال تعالى: ” وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (الأية رقم 136 من سورة البقرة) تبيّن الآية أن دين الله تعالى واحد وهو الإسلام، فلم جعلتموه أدياناً؟!
لم يرد في تضاعيف مصحفنا الكريم من سورة البقرة إلى سورة الناس “114 سورة، 2236 آية،77437 كلمة” أن جائت فيها كلمة “أديان” بصفة الجمع، بل وردت بصفة المفرد “دين”. كما إنها لم تأتي مقرونة بالمسيحية أو باليهودية، وإنما بالإسلام فقط
نوح عليه السلام ماذا قال لقومه: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”، اذن نوح كان مسلماً!
إبراهيم عليه السلام ماذا قال له الله تعالى: “إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” ،اذن، إبراهيم كان مسلماً!
يوسف عليه السلام ماذا قال: “توّفني مسلما وألحقني بالصّالحين”
حتى سليمان عليه السلام : ” أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين” (الآية رقم 38 من سورة النمل) هذا يدل على أنّ نبيّنا سليمان كان مسلماً.
موسى عليه السلام ماذا قال لقومه: ” إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ” (الآية رقم 80 من سورة يونس) اذن موسى وقومه كانوا مسلمين!
عيسى عليه السلام ماذا قال له الحواريون: ” وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (الأية رقم 52 في سورة ال عمران) تؤكّد الآية على أن الحواريون كانوا مُسْلِمُونَ على دين نبيهم عيسى “المسيح” الذي كان مسلماً من قَبلهم!
والحواريّون هم تلامذة عيسى، وكانوا إثنى عشر شخصاً من بني إسرائيل، ومنهم (بطرس ويوحنا ومتّى وتوما وأندرياس وفيلوبس) كانوا جميعهم مسلمين على دين موسى وعيسى عليهما السلام.
وأتم الله تعالى دينه على يد خاتم الانبياء والمرسلين محمد ﷺ : “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” (الأية رقم 3 من سورة المائدة) إكتمل دين الإسلام الذي إرتضاه الله سبحانهُ للنوع الإنساني من آدم عليه السلام إلى محمد ﷺ.
ثم ختم الله سبحانه النّص لدينه الواحد “الإسلام” بآيتين:
الأولى- قال تعالى: “إنّ الدّين عند الله الإسلام” (الآية رقم 19 من سورة ال عمران).
والثانية- قال تعالى: “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ” (الآية رقم 85 من سورة ال عمران).
إنّ الّلغط والإشكال الذي وقع فيه الأغلبيّة، هو أنهم لا يميزون بين الدين والشرائع، فما أُنزل على الرّسل والأنبياء هي شرائع وليست أديان، شريعته التي تتناسب مع قومه في ذلك العصر.
قال تعالى في سورة المائدة: “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ” (الأية رقم 48 من سورة المائدة).
وللعلم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولً، والرّسل الذين بعثهم الله بتشريع جديد هم خمسة فقط: (نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، ومحمد) صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.
ولو تطرّقنا إلى تشريع نوح عليه السلام كانت “الشرائع النوحيّة”، أو “شرائع نوح السبع”،
أمّا تشريع إبراهيم عليه السلام كانت “صحف”، والتي هي “صحف إبراهيم”
أمّا عن تشريع موسى عليه السلام فهو “التوراة”، كتاب التوراة، وهو خمسة أسفار
وهذه الأسفار الخمسة عند اليهود يُطلق عليها المسيحيون “بالعهد القديم”، أما العهد الجديد هو
تشريع عيسى عليه السلام هو “الإنجيل”، كتاب الإنجيل، وهو الأربع كتب “الأناجيل الأربعة”، “متى ومرقس ولوقا ويوحنا”.
وأخيرا، تشريع محمد ﷺ وهو “القرآن”.
س: في كتابك (مشكلتي مع باربي) أثرت جدلا واسعا عندما تطرقت الى الاديبة والكاتبة النسوية (نوال السعداوي) وقلت انها اتهمت الله على انه ذكر، وانه منحاز للذكورة، هل يمكن أن توضح لنا أكثر هذه المسألة؟
ج: هذا السؤال في باب “الفيمينزم” ولكن المقام هنا لا يتسع الى الحديث عن النسوية، نحتاج الى ساعات طويلة، ولكن سأعرض جزء بسيط من الاجابة على هذا السؤال بخصوص الطبيبة والكاتبة والأديبة (نوال السعداوي)
نوال السعداوي قامت بشخصنة الله، وقامت بأنسنته، حيث ادعت أنه “ذكر ” وأنه منحاز للذكورة، استفهمت تقول: لماذا عبر الله عن نفسه ب “هو”؟ وليس “هي”؟ في سورة الاخلاص، لماذا نعت نفسه بضمير (هو) ، وردت باستهزاء على ذلك بقولها “قل هي الله أحد”.
لماذا عبر عن نفسه بالضمير الذكري “هو”؟!
الجميع يعلم أن هناك “الذكور” والتي أخذ منها الجنس الذكري، وهناك “الإناث” والتي أخذ منهن الجنس الانثوي، ولكن الله تعالى ليس جنس، فليس هناك آلهة عديدة كي يؤخذ منها جنس الآلهة! لذلك قال الله تعالى (أحد) ولم يقل (واحد) بل قال: “قل هو الله أحد”، لأنه لو قال: “قل هو الله واحد”، هذا سيؤكد أنه من جنس الذكورة، لأن واحد في اللغة والضمائر يقابلها واحدة، ولذلك قال: أحد، لينفي مسألة الجنس البيوليجي والإجتماعي عنه، بمعنى أنه “لا يوجد مجموعة من الآلهم لكي يصطفي الله نفسه منهم، أو لينخبوه هم”، لذلك، الله ليس جنس من الأساس، لأنه عبر عن نفسه ب “أحد”..
نعود للسؤال.. لماذا عبر عن نفسه بالضمير الذكري “هو”؟!
السر في اللغة العربية، قال تعالى في سورة يوسف: “إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”، وفي اية اخرى: ” وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا”، اذا هذا يعني ان الصيغة الحقيقية للقرآن لا يعلمها الا الله، ولكنه أنزله باللغة العربية، لأنه قال في اية أخرى ” وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا” أي بلغة غير عربية، وهذا يؤكد على ان الله ليس عربيّاً ولا اللغة الحقيقة للقران عربية، لكن أنزله باللغة العربية لأن محمد -ص- عربي ، ولانه انزل على العرب، والذين كان لديهم ملكة اللغة اللعربية من الفصاحة والبيان والمنطق والشعر وغيره.
واللفظ عند العرب مقسوم لقسمين : “مؤنث ومذكر فقط”، وسبب اختياره لضمير (هو) لغوي بحت، فالضمير ” هي ” يستخدم فقط للأنثى، لكن الضمير ” هو” يستخدم في ثلاثة حالات: “للمذكر ، وللمجهول ، ولعديمي الجنس .”
مثال على المذكر: “رميت الكرة في وجه محمد”، لو سألت : “من الرامية؟”- لعلمت أنها أنثى.. لكن لو سألت : “من الرامي؟”، فهناك ثلالثة احتمالات، اما ان يكون ذكر، أو أنثى ، أو عديم الجنس، لماذا؟ لأنه مجهول الهوية بالنسبة لي، ولذلك يطلق الضمير الذكري على مجهول الهوية، لأنك لا تعمل هويته، ولقد بينا في السابق أن الله لا هو ذكر ولا أنثى، وليس جنس من الأساس، اذن هو عديم الجنس ، والله تعالى وصف نفسه قائلا: “ليس كمثله شيء” ،،،، لذلك خاطب نفسه ب “هو”.
عندما يقول الله تعالى في القران : قد أفلح المؤمنون “بصفة المذكر” نعلم هنا أن المؤمنون قد يكونوا ذكور او إناث، لكن لو قال تعالى: “مؤمنات”، نعلم يقينا انهن إناث فقط.
إمام النحاة (سِيبَوَيْهِ ) وهو أول من بسّط علم النحو، عندما تحدث عن تصنيف (الشيء) قال: الشيء بحد ذاته هل هو ذكر أم أنثى؟ فأجاب: “لا ذكر ولا أنثى”، إنه: “محايد”.
لذا “الله تعالى بذاته” لا هو أنثى ولا ذكر ولا بينهما، وليس جنس من الاساس كما وضحت سابقا.
س: ذكرت في كتبك ومحاضراتك أن المؤسسة الزوجية لا تُبنى على الحب، هل يمكن توضيح ذلك أكثر؟!
ج: صحيح .. المؤسسة الزوجية لا تُبنى على الحب
كم من علاقات غراميّة صدّعت رؤوسنا لتنتهي أخيراً بالطلاق؟! هذا ما جعلني أسعى طويلاً حتى وصلت إلى أن المؤسسة الزوجية لا تُبنى على الحب!
عند إمعاني في قوله تعالى: “وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ” (الأية رقم 21 من سورة الروم) شروط بناء هذا المسكن لبنتين (المودة، الرحمة) ولا يوجد للحب اي اساس بينهما.
أساس بناء المؤسسة الزوجية هو “طوبة المودّة وطوبة الرّحمة” ولا أساس للحب بينهما! وهو قيمة مُضافة ومُتغيّرة تحضر لاحقّا من رحم هذه المؤسّسة.
الآن، ما هو تعريفي لهتين الطوبتين “المودة” و “الرحمة”:
ما هي المودّة؟ ليس المقصود بها الحب، لأن الله تعالى قال في كتابه: “فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ” (الآية 54 من سورة المائدة) القران دقيق جدّا بانتقاء كلماته وأحرفه، لذلك وجدت أن المودّة ليس المُراد بها الحب، وإنما “التلطّف”، بمعنى التقرّب، وكسر المسافات.
ما هي الرحمة؟ هي المغفرة والصَّفح، وتعني أن تخفض جناحك لزوجتك وتتجاوز عما بدر منها.
أما بالنّسبة للحب، فهي قيمة مضافة متغيرة قد تطفو أحيانا كأمواج البحر، وقد تَخفِت كضوء الشمعة، وقد يأتي يوم وتُطفأ شعلتها، وهنا تبقى الركيزتين الأساسيتين لقيام المؤسسة الزوجية وهما “المودّة” و”الرّحمة”، والتي يقف عليهما أقدس بناء ومسكن وعلاقة وموطن.
ولذلك قال تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم (الآية رقم 237 من سورة البقرة).
في النّهاية:
رسالتي إلى كل زوجة: حاولي أن تفهمي معنى الزوج!
ورسالتي إلى كل زوج: لا تضرب زوجتك ولو بوردة!
إقرأ أيضا حوراً خاصاً آخر :
المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها في حوار خاص مع ” وكالة شفا ” حول علاقة العلم بالدين