10:08 صباحًا / 17 يوليو، 2025
آخر الاخبار

عبورٌ إلى القهر من بوابة VIP ، بقلم : محمد علوش

عبورٌ إلى القهر من بوابة VIP ، بقلم : محمد علوش

عبورٌ إلى القهر من بوابة VIP ، بقلم : محمد علوش

ليس السفر ما نعيشه هناك، بل طقس عبور معلّق بين وجعين، وجع الانفصال، ووجع ما تبقّى من الوصل، وما أن تلامس أقدامنا الأرض المجرّدة من الأسماء، تلك الواقعة بين الحلم والحقيقة، حتى تبدأ الطقوس، وكأننا نعيد تمثيل مشهد نفي أبدي، ترتيله اليومي بطاقات وأختام وأسئلة، تنبش فينا ما يفترض أنه عابر، وما هو في الحقيقة أصل الجرح.


الجسر – ذاك الذي أراده الجغرافيون صلةً ـ صار مع الوقت خطاً فاصلاً بين من نحن، ومن كنّا نظن أننا سنكون، لم يعد معبراً، بل اختباراً متكرّراً للهوية، فعيوننا المشتاقة تشدّها جبال عمّان، نراها تقترب ثم تتوارى خلف بوابة مشتهاة، هناك حيث تصطف الحافلات كأنها توابيت مؤقتة، تحمّل فيها الأجساد والتعب، وتفتّش الأحلام كما لو أنها ممنوعة من المرور.


ندخل “بوابة الـ VIP” لا امتيازاً، بل فراراً من مهانة أكثر فجاجة، الاسم نفسه كذبة فاخرة، لا رفاهية في الانتظار المدفوع، ولا كرامة في العبور المشروط، ووحده الخوف ما يختصر، ببدلٍ نقدي، حيث نمرّ على أطراف الكرامة، كي لا نسحق في الطابور الطويل، كي نحصل على نظرة لامبالية، على عبور صامت من غير صياح، دون أن يفتح الجواز كجُرحٍ جديد، ويقلب كما تقلب الصفحات القديمة في دفتر الشبهات.


الفلسطيني حين يعبر، لا يسافر، بل يتسلّل، يتقدّم بجسده إلى الأمام، وخوفه إلى الوراء، يحمل في جوازه ذاكرة مشبوهة، حتى لو كان بياضه شاهداً على براءته، والجسر لا يعبُرُنا، بل نحن من نعبره كمن يمشي على أطراف روحه، لا ندري إن كنا سنصل، أم سنعاد.


في الطريق، نحفظ وجوه العابرين كما نحفظ الوجع ذاته، عجوز يشهق عند كل سؤال، أمّ تخبئ رعشة الخوف، طفل لا يفهم لماذا هذا العبور ليس مثل ما في الكتب، لماذا الطريق إلى الخارج يشبه النفي لا المغادرة، كلّنا نحمل شيئًا من الانكسار، ونخزنه في العيون، ونذرفه على حافة الحلق، دون أن يسقط.


وحين نغادر البوابة، نلتفت خلسة، نلقي نظرة على المكان، وكأننا نودّع أنفسنا التي تركناها هناك، ونمضي، نحاول أن نكون “عاديين” في عمّان، أو في أي مدينة لا يسألك فيها أحد عن جنسية الألم.

نحبّ الأردن، نحبّه بصدق، لأنه النافذة الوحيدة التي ما زالت تنفتح، لأنّه الجار الذي حمل معنا مرارة الوحدة، وشاركنا رغيف الصبر، وفتح بابه حين أُوصدت الأبواب، لكننا نكره الجسر، لا لأنه هناك، بل لأنه يختزلنا إلى أوراق وحقائب، ويحولنا من حكايات إلى أرقام، ومن بشر إلى ملفات تنتظر ختم الجندي.


العبور من الجسر ليس سفراً، بل قياسٌ يومي لمدى ما تبقّى فينا من إنسان، ننجو مرّة، وننكسر ألف مرّة، ومع ذلك، تبقى عيوننا مشدودة إلى الشرق، حيث تقيم جبال عمّان، لا كمهرب، بل كصديق ظلّ وفيّاً، حين شحّ الأوفياء.


ويبقى الأمل أن يعود الجسر ـ ذات صباح ـ جسراً فعلاً، لا اختباراً، لا لعنة، لا قيداً، بل صلة حقيقية، بين شطري القلب، بين الوطن والحنين.

شاهد أيضاً

"الجنائية الدولية" ترفض إلغاء مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت

“الجنائية الدولية” ترفض إلغاء مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت

شفا – رفضت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية طلب إلغاء مذكرات اعتقال وتعليق …