12:07 صباحًا / 18 يوليو، 2025
آخر الاخبار

من بكين أشرقت أرواح الشعوب ، بقلم : محمد علوش

من بكين أشرقت أرواح الشعوب ، بقلم : محمد علوش

في قلب الشرق الصيني، حيث تتشابك أغصان الحكمة القديمة مع أغصان التقدم، وحيث لا يزال تنين التاريخ يرفرف بأجنحته فوق أسوار الزمن، التأم جمعٌ من أبناء الأرض في مؤتمر عالمي فريد، مؤتمر “حوار الحضارات”، الذي نظمته جمهورية الصين الشعبية ليكون منصة حقيقية للتلاقي لا للتباهي، للتفاهم لا للتنازع، ولإحياء فكرة أن الإنسانية أكبر من الحدود، وأوسع من السياسات، وأبقى من المصالح.


لم تكن بكين في تلك الأيام مجرد مدينة، بل كانت قلب العالم النابض، مدينة احتشدت فيها أصوات الرواة، والعلماء، والمفكرين، والسياسيين، والفنانين، والمؤمنين بالحوار سبيلاً إلى النجاة من عبث الحروب وسوء الفهم، وعلى خشبة هذا المؤتمر، لم يكن هناك “آخر” يُخشى، بل “آخر” يُحتفى به، وتفتح له أبواب المعرفة وقلوب الانفتاح.


في قاعاتها المضيئة بالزخارف الصينية العريقة، وبأنفاس التاريخ الممهورة بالحكمة الكونفوشيوسية، انطلقت الكلمات من كل زاوية من العالم، كأنها نجوم تناثرت على خريطة واحدة، تتحدث بلغات شتى، لكنها تتجه إلى معنى واحد، أن لا خلاص للعالم إلا إذا أصغى الإنسان لأخيه الإنسان.


كان كل تفصيل في المؤتمر يرشدك إلى جوهره، من الزينة المعمارية التي جمعت الحداثة بتراث الإمبراطوريات القديمة، إلى استقبال الوفود من مختلف الثقافات بحفاوة متزنة، إلى الأحاديث الجانبية التي كانت أكثر صدقاً من بعض البيانات، فكانت بكين تقول للعالم: نحن لا ندّعي القيادة بسلطان المال أو القوة، بل ندعو إلى الشراكة من موقع من عرف العزلة، وتذوّق مرارة الاحتلال، ثم نهض بشعبه دون أن ينسى الآخر.


المداخل كانت مشرعة على الفكرة، والمخارج لم تكن نهاية، بل بدايات لحوارات ستمتد في الزمان والمكان، وفي الجلسات المغلقة كما في المساحات المفتوحة، كانت الكلمات تزرع بذوراً في العقول، حديثٌ عن الإرث المشترك للإنسانية، عن الآداب والفنون، عن الشعوب الأصلية التي صمتت طويلاً، عن الصراعات التي نهشت الجغرافيا، وعن الإعلام الذي صار في كثير من الأحيان جسراً للكراهية بدلاً من جسر للفهم.


وفي أروقة المؤتمر، التقت فلسطين بالعالم، لم تكن مجرد موضوع عابر، بل كانت نبضاً يسري بين الكلمات، بين الأعين، وبين الأيدي المتصافحة، بعض القادة المشاركين لم يستطيعوا إخفاء تأثرهم وهم يلتقون فلسطينيين جاءوا من المخيم، ومن الحصار، ومن ذاكرة الشتات، ليقولوا للعالم: نحن لسنا عبئاً على الحضارة، بل جذرٌ منها، وإذا كان ثمة من يحاول نفي حضورنا، فإنّ التاريخ الذي تتحدثون باسمه اليوم، يعرف وجعنا ويحفظ أسماء شهدائنا كما يحفظ أسماء فلاسفتكم.


اللافت في هذا المؤتمر أنّ الصين لم تفرض رؤيتها، بل قدّمت نفسها كجسر، لا كبديل للآخرين، بل كصوت يدعو إلى صيغة أخرى للعالم، أكثر توازناً وأقل عدوانية، ولم تكن السردية صينية محضة، بل كانت مزيجاً من نداءات التاريخ واستغاثات المستقبل.


وفي إحدى الأمسيات، عند جدار الصين العظيم، أقيمت أمسية فنية أضاءت فيها الموسيقى الصينية الكلاسيكية مشاعر الحضور، قبل أن تنضم إليها فرقٌ من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتذوب الألحان في بعضها بعضاً، كما ذابت الحواجز بين الوجوه، وهناك، على ذلك المرتفع الأسطوري، شعرت الجموع أن العالم ممكن، وأنه لا يزال في الإنسان بقية ضوء، وأن الحضارة ليست سلطة، بل روح.


غادرنا بكين، وكلّ منا يحمل في قلبه شعلة صغيرة، قد لا تضيء العالم دفعة واحدة، لكنها قادرة على أن تحرس إنسانيتنا في ليالي هذا العصر القاسي، غادرنا وفي أعيننا مشهد الحضارات وهي تتصافح لا تتصارع، تتحاور لا تتقاطع، تتكامل ولا تتلاشى.


ذلك المؤتمر لم يكن احتفالاً، بل دعوة، دعوة لننظر إلى العالم بعين الحكمة، ونصغي لبعضنا البعض، لا لننتصر، بل لنتقارب، لنعيش، لا لنفنى في مرايا الغطرسة والتفوق.


لقد وعدتنا بكين بأنّ الزمن القادم يمكن أن يكون مختلفاً، فهل نفي نحن بالوعد؟

شاهد أيضاً

بنغ لي يوان تحضر فعالية " الارتباط مع كوليانغ : الصداقة بين الشبان الصينيين والأمريكيين 2025 "

بنغ لي يوان تحضر فعالية ” الارتباط مع كوليانغ : الصداقة بين الشبان الصينيين والأمريكيين 2025 “

شفا – حضرت بنغ لي يوان ، عقيلة رئيس الصين شي جين بينغ، فعالية ” …