
الوظيفة أم المشاريع الصغيرة؟ فرصة حقيقية للشباب ، وطريق لحل البطالة وزيادة الدخل ، بقلم: د. عمر السلخي
في ظل الواقع الاقتصادي المتردي، ومع تفاقم نسب البطالة في صفوف الشباب والخريجين، خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتجدد السؤال الحاضر دومًا:
هل الحل في انتظار الوظيفة… أم في المبادرة نحو إنشاء مشروع صغير؟
الوظيفة، رغم ما تمنحه من استقرار نسبي، لم تعد متاحة للجميع، خصوصًا في ظل تراجع قدرة القطاع العام والخاص على استيعاب الكمّ الهائل من الخريجين. في المقابل، تبرز المشاريع الصغيرة كبديل حيوي، مرن، وواعد، يمكن أن يشكّل شبكة أمان اقتصادية للكثير من الشباب والعائلات.
أرقام صادمة… وشباب عاطلون عن العمل
وفق الإحصاءات الرسمية، تجاوزت معدلات البطالة بين الشباب في فلسطين حاجز 40%، في بعض المناطق، وفي قطاع غزة تحديدًا تتجاوز 70% في فئة الخريجين الجدد.
وهذا يعني أن عشرات الآلاف من الشابات والشبان المؤهلين يواجهون كل عام واقعًا صادمًا:
لا فرص عمل، ولا استقرار، ولا دخل.
النتيجة؟
إحباط متراكم، ضغوط اجتماعية، هجرة خارجية، وتزايد الفقر.
الوظيفة لم تعد حلمًا متاحًا للجميع
لا شك أن الحصول على وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص ما زال يمثل طموحًا لدى معظم الخريجين، خصوصًا في ظل غياب منظومة دعم حقيقية لريادة الأعمال. لكن في الواقع:
عدد الوظائف المتاحة محدود جدًا.
الرواتب غير كافية في ظل الغلاء المعيشي.
فرص النمو داخل المؤسسة ضعيفة.
وفي المقابل، يبقى الخريج ينتظر… عامًا بعد عام… فرصة قد لا تأتي أبدًا.
المشاريع الصغيرة: من مبادرة فردية إلى حل جماعي
هنا تبرز أهمية دعم المشاريع الصغيرة كخيار استراتيجي، لا مجرد حل بديل.
فالمشاريع الصغيرة:
تفتح آفاقًا جديدة للتوظيف الذاتي.
تخلق فرص عمل إضافية مع توسعها.
تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
تعزز ثقافة الإنتاج والاستقلال المالي.
ويمكن أن تنمو لتصبح شركات ريادية ناجحة.
أمثلة كثيرة في فلسطين بدأت بمشروع صغير داخل البيت أو دكان صغير في الحارة، وتحولت لاحقًا إلى مؤسسات تجارية أو صناعية مؤثرة.
أين دور الحكومة؟
إذا أرادت الحكومة الفلسطينية معالجة البطالة فعليًا، فعليها أن تنتقل من سياسة الانتظار إلى سياسة التحفيز.
ويجب أن يتم ذلك عبر:
تأسيس صندوق وطني خاص لدعم المشاريع الصغيرة، يقدم منحًا وقروضًا بفوائد رمزية.
توفير تدريبات حقيقية ومرافقة فنية للشباب في مجالات الإدارة والتسويق.
تسهيل الإجراءات القانونية والضريبية لتأسيس المشاريع.
فتح أسواق داخلية وخارجية عبر معارض وبرامج تصدير للمشاريع الناشئة.
إدماج ريادة الأعمال في مناهج التعليم الجامعي والتقني.
الشباب هم الحل… لا المشكلة
ما يحتاجه الشباب الفلسطيني ليس الشفقة، بل الثقة والفرصة.
أثبت شبابنا، رغم الحصار والإغلاق والاحتلال، أنهم قادرون على الإبداع، وخلق فرص من اللاشيء، إذا توفرت البيئة المناسبة.
الاستثمار في الشباب عبر المشاريع الصغيرة ليس فقط حلاً اقتصادياً، بل هو استثمار في الاستقرار الوطني، وتعزيز الصمود المجتمعي.
من ثقافة الوظيفة… إلى عقلية الريادة
يجب أن ننتقل من منطق انتظار الوظيفة، إلى عقلية المبادرة والإنتاج.
يجب أن تتحوّل ثقافة الخريج الباحث عن وظيفة، إلى عقلية المواطن المنتج المبادر.
المشاريع الصغيرة ضرورة وطنية لتعزيز صمود المواطن على الارض .
وإذا دعمتها الدولة، واحتضنها المجتمع، يمكن أن تكون الحل الحقيقي لأزمات البطالة والفقر، بل بوابة نحو اقتصاد مقاوم ومستدام.