
“ميسون أسدي: غيابٌ لا يغيب” ، بقلم: رانية مرجية
عامان مضيا على رحيلكِ يا ميسون، ولكن قلبنا لا يزال يحملكِ بيننا كما لو أن الغياب لم يكن يوماً، وكأنكِ لم تتركينا لحظة. ما أعمق الحزن في غيابكِ، وما أقوى الأثر الذي خلفته روحكِ فينا، تلك الروح التي لم تعرف الفقد إلا لتمنحنا دروسًا في الحياة، والأمل، والكلمة الصادقة.
أنتِ التي آمنتِ بالقلم سلاحًا، وبالكلمة قوة لا تذبل، تركتِ فينا إرثًا يتجاوز الزمن، وصوتًا لن يخفت أبدًا، رغم أن الجسد قد رحل. كانت كلماتكِ تضيء الظلمات، وخواطركِ تحمل عبق الحياة في أبهى صورها، تنبشين فيها ما يخبئه الإنسان من أحلام وآلام، وتنسجين من الوجع أملًا لا ينتهي. كنتِ الصديقة التي نلجأ إليها، والأم التي تغفر لنا، والأخت التي تسكن بداخلنا حتى وإن كانت بعيدة.
غبتِ عن عيوننا، ولكنكِ حيّة في كل حرف كتبته، في كل صفحة حملتِ فيها أفكاركِ بصدق، وفي كل كلمة نطقتها بتلك الحنكة التي لا تُضاهى. لا يزال صوتكِ في ذاكرتنا، كما كان يومًا يهمس لنا في كل مفصل من تفاصيل الحياة، يعلمنا أن لا شيء مستحيل، وأن الفقد هو مجرد لحظة تمر، ولكن أثره يظل خالداً.
كنتِ، يا ميسون، نبعًا لا ينضب من الأمل، وكلماتكِ كانت تلمس أعمق أعماقنا، تبث فينا القوة كلما شعرنا بالضعف. كنتِ تكشفين لنا أن الضعف ليس عيبًا، وأنه في قلبه يكمن جوهر القوة، تمامًا كما كنتِ تعيشين بيننا، قوةً مستترة خلف بساطة الوجوه، وأناقة الكلمات، ورقة المشاعر.
لا زال شعور الفقد يثقل كاهلنا، لكننا نعلم، بل نؤمن، أن ميسون أسدي لا تزال بيننا، في كل زاوية من زوايا هذا العالم الذي لم يعد كما كان من قبل. نحن نراها في حروفها التي ما زالت تشع بنورها، في أفكارها التي لا تزال تدعو إلى التحرر، وفي مواقفها التي كانت دائمًا تقف في وجه الرياح العاتية.
كيف لا نراكِ بيننا، وأنتِ التي كتبتِ لنا تاريخًا من الإبداع؟ كيف لا نسمع صوتكِ في صمتنا، وأنتِ التي كنتِ تنطقين بما يسكته الآخرون؟ ميسون، أنتِ فينا، بل نحن فيكِ، وفي كل صفحة من صفحات حياتكِ التي لم تكتمل فصولها بعد، وفي كل كلمة كتبتِها ببصيرتكِ العميقة، تلك التي كانت ترى ما لا يراه الآخرون.
رحيلكِ لم يكن غيابًا، بل كان انتقاليًا، كما هي الحياة التي لا تقف عند نقطة، بل تواصل مسيرتها. واليوم، بينما يمر عامان على غيابكِ، لا زالت كلمتكِ حية في قلوبنا، ولا زال إبداعكِ راسخًا في عقولنا، ولا زلنا نتعلم منكِ دروسًا في القوة، في الصبر، وفي الإيمان بأننا قادرون على المضي قدمًا رغم كل شيء.
أنتِ موجودة معنا، في تفاصيل حياتنا، في لحظات صمتنا، وفي تلك الأفكار التي تتجدد كلما استرجعنا كلماتكِ. فالغيب ليس النهاية، بل هو بداية لحياة أخرى، لا تُقاس بالزمن. وأنتِ، يا ميسون، لا تزالين حية فينا، لا يزال حضوركِ كما كان، بيننا، رغم غيابكِ الجسدي.