8:28 مساءً / 27 يونيو، 2025
آخر الاخبار

“لأنني لا أملك رفاهية الصمت” ، بقلم: رانية مرجية

رانية مرجية

“لأنني لا أملك رفاهية الصمت” ، بقلم: رانية مرجية

يسألني أحدهم، بل يسألني الجميع، كلما نشرتُ مقالًا، أو قصيدة، أو قصة، أو صرخة مكتوبة:
“لماذا تكتبين بهذا التتابع؟ ألم تتعبي؟ ألم يضِق بكِ الورق؟”

أبتسم كمن يعرف الجواب، لكنه يتألم من اضطراره لشرحه مرارًا.

أنا لا أكتب لأن لديّ وقت فراغ.
ولا أكتب لأثبت أنني شاعرة، أو ناقدة، أو كاتبة قصة.
أنا أكتب لأنني لا أملك رفاهية الصمت.

حين يكتب الكاتب خمسًا أو ستّ مقالات خلال أسبوع، في أنماط شتّى — نقد، قصة، قصيدة، وجع، غضب، صلاة — فليس ذلك ناتجًا عن ترفٍ بل عن حاجة وجودية.

كل نصّ أكتبه هو جزء مقتطَع من ذاتي.
كل نوع أدبي أختاره، ليس رغبة في التنويع، بل لأن المعنى اختار شكله وحده.

بعض النصوص تولد قصائد لأن الألم لا يقبل النثر.
وبعضها قصصًا لأن الواقع يحتاج التواري خلف شخصية وهمية كي يُفهم.
وبعضها مقالات، لأن الحقيقة يجب أن تُقال كما هي، دون رقص لغوي ولا مواربة.

وأنا، حين أكتب عن أديبٍ أو مسرحيّ، لا أسأل عن دينه ولا حزبه ولا مدينته.
ما يعنيني هو ما وجدتُ في نصّه:
صلاة، حياة، رجاء…
ذلك البريق الذي يشبه الله حين يتجلّى في الكتابة الصادقة.

أنا لا أجامِل.
ولا أكتب مجاملةً لأحد.
أكتب لأن هناك من يستحق أن نضيء عليه، لأن صوته لا يخضع للضجيج الطائفي، ولا للموضة الأيديولوجية، بل لأن روحه كتبت قبله، وتكلّمت نيابة عنه، ووضعت يدها على كتفنا وقالت: “أنا الإنسان”.

أنا لا أفتخر بكثرة ما أكتب، بل أخجل أحيانًا من كمية ما لم أستطع أن أقوله بعد.
فالكتابة ليست عندي مشروعًا ثقافيًا، بل خلاص داخلي.
إن لم أكتب، أختنق.
إن لم أُعبّر، أتحوّل إلى نسخة أخرى مني لا أحبّها: امرأة متعبة، صامتة، تبتلع القهر، وتساير الحياة.

الذين يحاكمون الكاتب على تنوّع نصوصه لا يعرفون شيئًا عن الكتابة.
ولا عن وجعها.
ولا عن شجاعتها.

لا يعرفون أن الكاتب حين يكتب، يكون في معركة.
ضد الإنكار.
ضد التواطؤ.
ضد الرداءة.
ضد الصمت الذي يريد لنا أن ننام ودمنا لمّا يجف.

من قال إن الكتّاب لا يتناقضون؟
من قال إن على الكاتب أن يختار قالبًا واحدًا كأنه في نشرة الأحوال المدنية؟
أنا أكتب قصة حين أريد أن أهرب من الواقع، وأكتب مقالة حين أريد أن أصفعه.
أكتب قصيدة حين أبكي، وأكتب نقدًا حين أغضب.
هل في ذلك ترف؟ أم صدق؟

ثمّة كتّاب لا يكتبون إلا حين يتلقّون دعوة من مهرجان، أو عرضًا من جريدة.
وأنا لا أنتظر شيئًا.
الكتابة لا تنتظر، والوجع لا يؤجل.
ولا أحد دعاني إلى الكتابة… سوى قلبي.

الكتابة عندي فعل نجاة.
ومن لا يكتب بهذه الروح، فليصمت.
لأن النص الذي لا يحمل بصمة صاحبه، لا وزن له… حتى لو حاز إعجاب النقّاد.

أنا رانية مرجية، من الرملة.
أكتب لأنني وجدت في الإبداع صلاة، وفي النصوص الصادقة حياة.
أكتب عن الإنسان، لا عن اللافتة التي يرفعها فوق كتفه.
وأكتب لأنني إن لم أكتب، أموت بصمت لا أحد يسمعه.

رانية مرجية – الرملة

شاهد أيضاً

جبهة النضال الشعبي تنعى شهيدها الرفيق المناضل محمد كمال وشاح

جبهة النضال الشعبي تنعى شهيدها الرفيق المناضل محمد كمال وشاح

شفا – نعت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني رفيقها المناضل محمد كمال وشاح عضو الهيئة القيادية …