12:28 صباحًا / 15 يونيو، 2025
آخر الاخبار

جورج حبش ، الحاضر رغم الغياب ، بقلم : رانية مرجية

رانية مرجية
رانية مرجية

جورج حبش ، الحاضر رغم الغياب ، بقلم : رانية مرجية

من قال إن الغائبين يموتون؟

من قال إن الثوار يُطوى ذكرهم حين تُطوى أجسادهم؟

من قال إن جورج حبش، الحكيم، غاب؟

هو لم يغب… نحن من غاب.

غاب ضمير الأمة، فصار حضوره وجعًا.

غابت الرؤية، فصار فكره منفى.

وغابت فلسطين التي أحبها، بكل أطيافها، فصرنا نحتاج إلى من يذكّرنا أن جورج حبش لم يكن فقط طبيبًا، ولا مجرد مؤسس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بل كان ضميرًا جمعيًّا، حالمًا جريحًا، رفض أن يساوم على وطنه… أو على لغته.

جورج حبش، ذاك الذي وُلد مسيحيًّا في اللد، ومات مسلمًا بالموقف، يهوديًّا بالاضطهاد، درزيًّا بالصبر، علمانيًّا بالوعي، ومسيحًا جديدًا يُصلب كل يوم في ضمير هذه الأمة.

تقول لي إحداهن: “ما زلتِ تكتبين عن جورج حبش؟ مات من زمان”.

أجيبها كما تعوّدت:

مات من زمان؟! إذن كيف ما زال يؤلمني؟

كيف ما زلت أرى ملامحه في وجوه الشباب حين يهتفون باسمه؟

كيف يُولد اسمه في أزقّة المخيمات كلما سقط شهيد جديد، أو علّق فدائي بندقيته فوق جدار الانتظار؟

جورج حبش لم يمت لأنه لم يخن، لم يهادن، لم يتنازل.

لم يظهر في المؤتمرات المملوءة بالكراسي الفارغة.

لم يهن ظهره أمام كرسي سلطة، ولم يساوم على خريطة.

كان واضحًا… أكثر مما تسمح به دكاكين السياسة.

وكان حادًا… أكثر مما تطيقه طاولات التفاوض.

كان مسيحيًّا حتى النخاع، وعربيًّا أكثر من العروبة نفسها،

وكان فلسطينيًّا حين صار كثيرون “متعاونين جغرافيًّا”،

وكان ثوريًّا في زمن صار فيه “المناضل” موظفًا،

والعلم الوطني لافتة دعائية على منصة مهرجان ممول من جهات لا تعرف ما الفرق بين القدس وبلفاست.

في حضرة الحكيم، يصغر الجميع.

ليس لأنه كان يملك مفاتيح التحرير، بل لأنه كان يملك شجاعة أن يقول “لا” حين يصمت الجميع.

شجاعة أن يعترف بخطأه، حين يصرّ غيره أن يُلبسه لنا كإنجاز.

أثره على اليسار العربي

ولأن الثورة لا تُختزل في بندقية، بل تمتد إلى الوعي، كانت بصمة جورج حبش على اليسار العربي أبعد من فلسطين.

هو من ردّ الاعتبار لكلمة “الاشتراكية” حين كانت تُشتم من على منابر النفط.

هو من وحّد الطبقات المسحوقة حول مشروع وطني لا طائفي، لا إقليمي، لا انتهازي.

هو من أقنع آلاف الشباب العربي في السبعينات أن العروبة ليست عباءة دكتاتورية، بل ميدان تحرر وكرامة.

ولكن، أين اليسار العربي اليوم؟

أين الجبهة التي حملت إرثه؟

تحوّلت القضية إلى شعارات متعبة، وانقسم اليسار إلى يسارات، وذُبح الحلم باسم الواقعية السياسية، وسُجن الفكر الجبهاوي في بيانات باهتة ولجان تنظيم لا تنتظم.

أين الحكيم في زمن تتصارع فيه الفصائل على حصة من وهم الدولة؟

أين صوته حين يُعتقل الشرفاء ويُستقبل المطبّعون؟

أين موقفه الواضح، حين صار “الحياد” فضيلة، و”الصمت” حكمة، و”التطبيع” وجهة نظر؟

الحاضر رغم الغياب

أجل، رحل جورج حبش جسدًا،

لكنه يسكن كل شهيد لا يُذكر في نشرات الأخبار.

يسكن كل أنثى فلسطينية تزرع الوعي في عقل أولادها قبل رغيف الخبز.

يسكن كل شاب فلسطيني يرفض أن يختار بين الذل والذل،

وكل لاجئ لا يصدّق أن “العودة” صارت عنوان جمعية لا أكثر.

جورج حبش لم يمت،

نحن من نموت كلما صمتنا، أو سكتنا، أو تواطأنا، أو قبلنا بأقل من فلسطين كاملة.

فيا أيها الحكيم،

ابقَ فينا شاهدًا، وجرحًا، وبوصلة.

ابقَ فينا لعنةً على كل من خان، ومرآةً لكل من تاه.

ابقَ فينا… لأننا بحاجة إلى أن نتذكّر أنك ذات يوم، كنت أنت الوطن حين سقطت كل الأوطان

شاهد أيضاً

رشقة صاروخية من قطاع غزة على مستوطنة نير عوز في الغلاف

شفا – أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم السبت، سقوط صاروخين أطلقا من قطاع غزة باتجاه …