2:20 مساءً / 15 يونيو، 2025
آخر الاخبار

سليم نزال… سليل القلم المقاوم وأيقونة الفكر المستنير ، بقلم : رانية مرجية

رانية مرجية

سليم نزال… سليل القلم المقاوم وأيقونة الفكر المستنير ، بقلم : رانية مرجية

في زمنٍ هجرت فيه الكلمات قداستها، وابتذلت فيه المفاهيم حتى غدت الوطنية مجرّد شعار يلوّح به الطغاة، يخرج من بين الركام رجل يشبه الأنبياء في نبوءاته، ويشبه المقاتلين في جرأته، ويشبه العاشقين في شغفه بوطنه الذي لم يغادره وإن غادره. إنه الدكتور سليم نزال، الفيلسوف الفلسطيني، المفكّر الحر، والكاتب الذي يكتب من منفى القلب، لا منفى الجغرافيا فقط.


بين يافا وحيفا… يولد فكرٌ لا يموت
الدكتور سليم نزال، من بلدة لوبية المهجّرة، لم يحتج إلى خارطة ليتعرّف على فلسطين، كانت في دمه، في لهجته، في كل ما كتب. حاز شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، لكنه لم يختبئ خلفها كما يفعل الأكاديميون المتعالون، بل جعل منها سلاحًا يطلق به رصاصات منطق ضد هرطقات الإعلام الرسمي العربي والدولي. عاش في أوروبا، لكنه حمل فلسطين معه كما يحمل البدويّ زوادته في الصحراء: خبز جاف، وكرامة لا تجف.
كاتب في زمن الخرس الجماعي
مَن يقرأ مقالات سليم نزال، يدرك أنه لا يكتب ليُعجب، بل ليُحرض. يكتب ليوقظنا من سبات السرديات المتكررة التي خدرونا بها منذ النكبة حتى النكسة حتى صفقة العار المسماة سلامًا. في مقالاته نبرة سخرية مرة، لكنها لا تهدف للإضحاك، بل لخلخلة اليقين الكسول. كتب عن فلسطين، وكتب عن سوريا ولبنان والجزائر وتونس والعراق، لكن فلسطين كانت الخيط الأحمر الذي لا ينقطع، حتى في مقالٍ عن النرويج.
من مقالته الشهيرة “النكبة مستمرة ولكننا لم نستمر”، يفكك ببراعة طغيان الخطاب العاطفي الفارغ، ويفضح النخب التي تسلّقت على دم الشهداء لتحصل على امتيازات الـVIP في المؤتمرات الدولية. أما في “الأسطورة والأكاذيب في صراعنا مع الصهيونية”، فهو لا يهادن، ولا يعتذر عن جذرية موقفه، ويطالبنا أن نكون واقعيين لا خنوعيين، أن نفكر لا نكرر.
نضالٌ لا يحتاج إلى بندقية
نضال الدكتور سليم نزال ليس من نوعٍ تصدر له الأوامر ولا يُتلى في نشرات الأخبار، بل هو النضال الثقافي الأكثر صعوبة، لأنه ضد العدو الخارجي والعدو الداخلي معًا. عدو اسمه الجهل، وكسل الوعي، والاكتفاء بالهتاف. يقف دائمًا في وجه التطبيع، لا بتشنج شعاراتي، بل بتحليل رصين يُسقط الأقنعة عن التطبيع اللغوي والتربوي والثقافي.
وحين كتب عن الجزائر، أخت فلسطين، لم يتعامل معها كرمز جاهز بل استحضر عمقها الثوري وأرّخ لبطولاتها بضمير حيّ، مستشهدًا بمقولة العربي بن مهيدي: “ارموا بالثورة إلى الشارع، يحتضنها الشعب.” أما ضظلام الطائفية الذي فرضوه علينا. تحدث عن نازك الملائكة، ومظفر النواب، لا كأسماء بل كذاكرة جماعية محاصرة.
لماذا نحتاج سليم نزال اليوم؟
لأننا في زمن العدم الفكري، نحتاج من يذكّرنا أن الكتابة موقف. أن المقالة ليست فقرة في صفحة ثقافية مهملة، بل صرخة قد توقظ أمّة. ولأننا اليوم نخاف أن نقول “أنا فلسطيني”، نحتاج إلى مَن يكتبها كل يوم بعشرين طريقة، دون أن يتلعثم.
سليم نزال ليس مجرد كاتب، هو ضمير في زمن التنازلات، مثقف عضوي، لا يرتهن لتمويل ولا لمنابر. كتاباته ليست بضاعة للعرض، بل حجارة في وجه كل محتل، وكل فاسد، وكل مثقف مرتزق.
كلمة أخيرة…
يا دكتور سليم، في هذا الليل الطويل من الغربة والعتمة، صوتك أشبه بمئذنة في مدينة محاصرة. نحتاجك، نحتاجك أكثر مما نظن. نحتاجك لنتذكر أن فلسطين ليست جغرافيا فقط، بل موقف. وأن الكتابة ليست مهنة بل التزام. وأن النكبة، ما لم نكتبها بدمنا ووعينا، ستصبح عرضًا مسرحيًا يتكرر بلا جمهور

شاهد أيضاً

مركز الاتصال الحكومي يرصد أهم التدخلات التي نفذتها الحكومة خلال الأسبوع الماضي

شفا – أصدر مركز الاتصال الحكومي تقريرا يُبرز أهم التدخلات التنموية والإصلاحية التي نفذَّتها الحكومة …