
حين يبتسم الألم: قراءة نقدية في قصتي -إيش يعني مهرّج طبي؟- و-آدم في غرفة العمليات- للكاتبة سامية عرموش ، بقلم : رانية مرجية
من رحم الألم يولد الأمل، ومن بين جدران المستشفى الباردة تتسلّل ضحكة طفل، ليست ضحكة عابرة بل فعل مقاومة، عزفٌ على أوتار الحياة. بهذا النفس الثوري الإنساني تكتب سامية عرموش قصصها للأطفال، وتمدّ جسورًا بين الأدب والطب، بين الخوف والضحك، بين الواقع والخيال.
“إيش يعني مهرّج طبي؟” – الضحك دواء لا يُباع في الصيدليات
في قصتها الأولى، “إيش يعني مهرّج طبي؟”، تخرج سامية من عباءة الصحافية والناقدة السينمائية إلى عباءة الراوية الحكيمة، وتنتقل من صخب الخبر إلى دفء الحكاية. في عشر صفحات فقط، لكنها مدجّجة بما يكفي من المعاني لتقلب مفاهيم الطفل والراشد على حد سواء.
القصة ليست تعريفيّة فحسب، بل هي حوار مفتوح بين الطفولة والعالم، حيث تشرح أهمية المهرّج الطبي بلغة محكية سلسة، موسيقية، حافلة بالسجع المحبّب، تجعل الطفل يقرأ وكأنه يغني، ويتعلم وهو يبتسم.
صور سرحان محاميد – المهرّج الحقيقي والزوج الواقعي للكاتبة – ليست مجرد توثيق، بل تأريخ لبطولة صامتة لا تصرخ على الشاشات، لكنها تهمس في آذان المرضى: “لسنا وحدنا”.
“آدم في غرفة العمليات” – حين يصبح الأدب رفيق السرير الأبيض
أما في قصتها الثانية “آدم في غرفة العمليات”، فتخوض سامية مغامرة أكبر: أن تكتب عن الرعب الأبيض بلون الطمأنينة.
أن تُخبر الطفل – ببساطة لا تخلو من العمق – ما الذي سيحدث حين يدخل غرفة العمليات، دون أن يُغمى عليه من الخوف أو الهلع.
آدم ليس فقط طفلًا خياليًا، بل هو مرآة لكل طفل يدخل المستشفى بلا دليل أو حكاية، ويحتاج إلى نصّ يُمسك بيده قبل أن تمسكها يد الجراح.
القصة مرهفة، ذات طابع وظيفي وإنساني، لكنها لا تتنازل عن جمالياتها الأدبية.
الرسومات التي زيّنتها بأنامل الفنانة المغربية رفيدة الخطابي كانت أشبه بضمادات من لون وفرح، تخفّف من رهبة النص الطبي وتغلفه بسحر بصري.
سامية عرموش – كاتبة تُخاطب الطفل كإنسان لا كناقص عقل
ما يميز الكاتبة هنا، ويستحق التصفيق من الوعي قبل اليد، هو أنها لا تكتب للطفل بلغة «تصغيرية» أو دونية، بل تعتبره كائنًا كاملاً يستحق الاحترام، والحقيقة، والدهشة.
وما تفعله سامية ليس ترفًا ثقافيًا، بل عمل مقاوم، يشبه دور المهرّج الطبي تمامًا: زرع الحياة في أكثر الأماكن احتياجًا لها.
لماذا علينا أن نقرأ هاتين القصتين؟
لأننا نعيش في عالم يحتاج إلى دفء…
لأن أطفالنا يستحقون أن يعرفوا، لا أن يُخدعوا…
لأن الضحك علاج، والقصّة دواء، والكاتب رسول لا يقلّ شأنًا عن الطبيب.
في زمنٍ تتكاثر فيه الشاشات وتقلّ فيه الحكايات، تأتي سامية عرموش لتثبت أن أدب الطفل ليس غفلة، بل ضرورة وجودية، وأن كل صفحة مكتوبة بصدق، قد تكون جسرًا بين الخوف والفهم، بين الدموع والفرح، بين المرض والشفاء.
فلنُصفّق إذًا لهذا القلم النسوي الطفولي المُشتعل، ولنرفع القصتين عالياً كرايتين تقولان: الطفل ليس فقط المستقبل، بل الحاضر الذي يستحق أن يُفهم ويُحترم ويُضحك.