1:23 مساءً / 18 مايو، 2025
آخر الاخبار

الصين الخضراء ، حين تتحول الطبيعة إلى “كنوز” بقلم : ريماس الصينية

الصين الخضراء ، حين تتحول الطبيعة إلى "كنوز" بقلم : ريماس الصينية

الصين الخضراء ، حين تتحول الطبيعة إلى “كنوز” بقلم : ريماس الصينية

خلال العقود الماضية، حظي النمو الاقتصادي في الصين بإشادة عالمية واسعة. فعندما يُذكر اسم الصين، يتبادر إلى الأذهان ذلك النمو السريع والأرقام الاقتصادية المبهرة التي أصبحت بطاقة تعريف مشرقة للبلاد. غير أن خلف هذه الأرقام، تكمن جوانب أخرى لا تقل أهمية، وتستحق التأمل والاهتمام.

الصين بلد يتمتع بقدرة فريدة على إنجاز ما يبدو مستحيلا. ومن خلال الإصرار والعزيمة، تحقق إنجازات تدهش العالم. ومن أبرز هذه الإنجازات: إصلاح النظام البيئي واستعادته، وهي مسيرة طويلة وشاقة تمتد عبر مناطق عديدة من البلاد.

وكما هو الحال في جميع مشاريعها الكبرى، مرّت الصين بتجارب صعبة في سبيل بناء حضارة بيئية متقدمة. ففي ثمانينيات القرن الماضي، تحولت قرية “يوتسون” في مقاطعة تشجيانغ إلى منطقة غنية من خلال استخراج الحجارة من الجبال، لكنها دفعت ثمنا بيئيا باهظا. فقد تلوث الهواء وتدهورت جودة المياه، مما أثر سلبا على حياة السكان. عندها أصبح القرار حاسما: هل نختار “الجيوب الغنية” أم “الطبيعة الخضراء”؟

في أغسطس 2005، وخلال زيارة إلى القرية، طرح الأمين العام شي جين بينغ، وكان حينها أمين الحزب في المقاطعة، رؤية استراتيجية قال فيها: “الجبال الخضراء والمياه الصافية هي كنوز من الذهب والفضة”. كانت هذه الكلمات بمثابة نقطة تحول. وبناء على هذه الفلسفة، بدأت القرية في ترميم بيئتها، واعتمدت على السياحة الريفية والاقتصاد الأخضر، لتتحول الطبيعة النظيفة إلى مصدر جديد للثروة.

واليوم، لم تعد هذه الرؤية محصورة في قرية واحدة، بل أصبحت مبدأ قوميا يدعم مسيرة التحديث الصيني ويشكّل إجماعا واسعا بين أفراد المجتمع.

فعلى سبيل المثال، كانت منطقة “سايهانبا” في شمال الصين صحراء قاحلة تجتاحها العواصف الرملية. قبل أكثر من 60 عاما، بدأ فريق من الشباب، معظمهم لم يتجاوز الرابعة والعشرين، بزراعة الأشجار ومكافحة التصحر. وبعد ثلاثة أجيال من العمل المتواصل، تحولت سايهانبا إلى أكبر غابة صناعية في العالم، ونالت “جائزة أبطال الأرض” من الأمم المتحدة.

أما منطقة “شيهايج” في نينغشيا شمال غرب الصين، والتي كانت تُعد من أكثر الأماكن غير الصالحة للعيش، فقد شهدت تحوّلا بيئيا واقتصاديا مذهلا بفضل برامج التحريج، والهجرة البيئية، ومكافحة الفقر. تحولت الجبال القاحلة إلى مساحات خضراء، وخرج السكان من دائرة الفقر.

وفي صحراء “كوبوتشي” بمنطقة منغوليا الداخلية – القريبة من بكين – بدأت الحكومة بالتعاون مع المؤسسات والباحثين، منذ التسعينيات، بتنفيذ مشاريع لمكافحة التصحر. واليوم، استعادت ثلث مساحة الصحراء نظامها البيئي، وأشادت بها الأمم المتحدة كنموذج “قابل للتكرار والتطبيق”.

وفي هضبة التراب الأصفر (اللويس)، أطلقت الصين مشروعا ضخما لإعادة تشجير الأراضي الزراعية المتدهورة. وعلى سبيل المثال، شهدت مدينة يانآن في مقاطعة شنشي تحسنا ملحوظا في الغطاء النباتي منذ عام 1999، ما ساهم في رفع دخل السكان من خلال السياحة البيئية والزراعة تحت الأشجار، وحقق توازنا بين الاقتصاد والبيئة.

ولم تقتصر الجهود البيئية على المناطق الريفية والجبلية، بل امتدت إلى المدن أيضا. فقد شهدت العاصمة بكين تحسنا كبيرا في جودة الهواء بفضل التحول في مصادر الطاقة، والحد من الصناعات الثقيلة، وضبط انبعاثات السيارات، وزيادة المساحات الخضراء. كما اعتمدت مدن مثل شنتشن، وهانغتشو، وتشنغدو سياسات رائدة في البناء الأخضر، وإعادة التدوير، والنقل المستدام، مما جعلها نماذج للمدن الصديقة للبيئة.

تشكل هذه الإنجازات مجتمعة جوهر “فكر شي جين بينغ حول الحضارة الإيكولوجية”. ففي حين لا يزال العالم يناقش ما إذا كانت هناك مفاضلة بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، تقدم الصين نموذجا عمليا يُثبت أن “التنمية في ظل الحماية” و”الحماية في إطار التنمية” هما مساران متكاملان.

يرى الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الجبال الخضراء والمياه الصافية هي تعبير رمزي عن العلاقة الجدلية بين البيئة والتنمية الاقتصادية، إذ لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة في بيئة ملوثة، ولا يمكن الوصول إلى الازدهار الحقيقي من دون مستقبل أخضر. فالثروات المادية مهما بلغت، لا تعوّض عن هواء نقي أو ماء صالح للشرب.

وقد تجاوزت الصين حدودها في هذا المجال، فساهمت بفعالية في الحوكمة البيئية العالمية، من خلال مبادرة “الحزام والطريق الأخضر”، ودعوتها لبناء “مجتمع حياة مشترك بين الإنسان والطبيعة”. وفي تعاونها مع الدول العربية، أولت اهتماما خاصا بالتنمية البيئية. ففي مصر، ساعد الخبراء الصينيون في تطوير زراعة الأرز المقاوم للملوحة، وتحسين تقنيات الري الموفر للمياه. وفي السودان، قدمت الصين معدات الطاقة النظيفة والتقنيات الزراعية الخضراء، ما ساهم في تحسين البيئة ومعيشة السكان. هذه المشاريع لا تنقل التكنولوجيا فحسب، بل تنشر مفهوم التنمية الخضراء وتعزز التعاون والصداقة الصينية العربية.

كما تعهدت الصين رسميا بالوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون قبل عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060، في خطوة تعكس مسؤوليتها الكبيرة تجاه المناخ العالمي، رغم كونها أكبر دولة نامية في العالم.

اليوم، أصبحت التنمية الخضراء محركا داخليا رئيسيا في مسيرة التنمية العالية الجودة في الصين. من استغلال الجبال إلى الحفاظ عليها، ومن تجارب موضعية إلى سياسات وطنية شاملة، تحولت الحضارة الإيكولوجية في الصين من مفهوم نظري إلى ممارسة واسعة النطاق يشارك فيها الجميع، ويجني ثمارها الجميع.

  • – ريماس الصينية – صحفية صينية، CGTN العربية .

شاهد أيضاً

الاحتلال يسلم 9 إخطارات بوقف العمل والبناء في ياسوف شرق سلفيت

شفا – سلمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاحد، 9 إخطارات بوقف العمل والبناء في قرية …