11:23 صباحًا / 18 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

حين يصمت العالم الرسمي على دم فلسطين ، … وتنهض شعوب الأرض لتفضح القسوة المتستّرة باسم الحضارة ، بقلم : المهندس غسان جابر

حين يصمت العالم الرسمي على دم فلسطين… وتنهض شعوب الأرض لتفضح القسوة المتستّرة باسم الحضارة، بقلم : المهندس غسان جابر

في عام 1974، وقفت الفنانة الصربية مارينا أبراموفيتش داخل قاعة صغيرة في نابولي، وقد وضعت أمام جمهورها طاولةً عليها 72 شيئًا: من الزهور والعسل والريش، إلى السكاكين والسوط ومسدس محشو بالرصاص، ثم أعلنت بكل هدوء:


“سأبقى هنا ست ساعات دون أن أتحرك أو أقاوم، ولكم أن تفعلوا بي ما تشاؤون.”

في البداية، اقترب الجمهور بلطف، وضع البعض الورود في يدها، وربت آخرون على كتفها كأنهم يطمئنون الضحية بأن البشرية لا تزال بخير. لكن مع مرور الوقت، انقلب كل شيء.


بدأت الأيدي تقطع جزءًا من ملابسها، وسالت دماء من جرح صغير بالسكاكين، ووُضعت السلسلة الحديدية حول عنقها، وفي اللحظة الأكثر قسوة، صُوب المسدس إلى رأسها، لولا أن شخصًا واحدًا تدخّل وسحب السلاح بصمت.


وعندما تحركت مارينا ورفعت رأسها بعد انتهاء الست ساعات، لم يقف أحد ــ الجميع هرب من القاعة… ليس خوفًا من الفن، بل رُعبًا من مواجهة أنفسهم.

هذه ليست قصة فنية عابرة. إنها تجسيد مكثف لما يحدث — ويُمارس حرفيًا — في فلسطين منذ ستة وسبعين عامًا.

ففي التجربة الفلسطينية، لم تكن هناك طاولة صغيرة تحمل أدوات فنية؛ بل مسرح واسع وواقعي وُضعت عليه كل أشكال الأدوات التي تُستخدم عادة لتجميل الجريمة أو تعميقها.


فالبيانات الدولية المنمقة التي تتحدث عن “القلق” و“ضرورة ضبط النفس” قامت بدور الزهور والعسل، تُقدَّم في البداية لتطمئن الضحية بأن العالم “متابع”.


ثم ظهرت أدوات أكثر خشونة — تمامًا مثل السكين والسلسلة — على هيئة حصار شامل يُطبق على قطاع كامل، وتجارب عسكرية تُجرى على المدنيين تحت عنوان “ردع المشروع”.


أما الفيتو الذي يُستخدم لمنع أي قرار يوقف المجزرة، فقد لعب دور المسدس المحشو بالرصاص الموجَّه نحو رأس الضحية، مع فارق بسيط: في نابولي وقف شخص وسحب السلاح، بينما في فلسطين لم يجرؤ أحد على مد يده حتى الآن.

في البداية — كما في نابولي — بدا العالم الرسمي “حضاريًا”: ابتسامات، مبادرات، ووعود بسلام “قابل للتفاوض”. لكن شيئًا فشيئًا، بدأ “الفضول السياسي” يتحول إلى اختبار مكشوف للقسوة.


أُطلقت النيران، قُطعت الكهرباء، مُنع الدواء، وقُصف المدنيون… بينما تم الاكتفاء بعبارات خشبية من نوع “ندعو إلى ضبط النفس” و“نشعر بالقلق الشديد”.

هنا ظهر الفرق الحقيقي:


العالم الرسمي ظلّ جالسًا في القاعة، لكنه أنزل رأسه كي لا ينظر إلى المشهد، وتظاهر بأن لا شيء يحدث.
أما شعوب الأرض، فبدأت ــ على عكس حكوماتها ــ تنهض من مقاعدها، وترفع أصواتها، وتُكمل ما فعله ذلك الشخص في نابولي الذي سحب المسدس من يد المعتدي.

لقد فهمت هذه الشعوب أن السكوت في هذا العرض ليس حيادًا، وأن تبرير الجرائم باسم “الواقعية السياسية” هو مجرد رخصة مفتوحة لمزيد من القسوة.

والسؤال الآن ليس: “كم سيتحمّل الفلسطيني؟”
بل: “كم بوسع العالم أن يتحمّل من الخزي قبل أن تنهار واجهته الحضارية؟”

حين تتحرك “مارينا فلسطين” وترفع رأسها، لن يكون هناك مجال للهروب من القاعة.


حينها ستنكشف الأشياء كما هي: القسوة لن تظهر كـ“محايدة”، والصمت لن يبدو كـ“رصانة دبلوماسية”، بل كجزء مباشر من الجريمة.

لقد حان الوقت لأن يوقف أحدهم هذا العرض.
ليس ببيان قلق جديد، بل بالفعل الأخلاقي البسيط الذي يقول:
“كفى… دم الإنسان ليس مادةً للاختبار.”

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية في الخليل – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة.

شاهد أيضاً

محافظ سلفيت يستقبل وزيري الاقتصاد والصناعة الفلسطينيين

محافظ سلفيت يستقبل وزيري الاقتصاد والصناعة

شفا – استقبل محافظ سلفيت، مصطفى طقاطقة، اليوم الاثنين، وزير الاقتصاد الوطني محمد العامور، ووزير …