
صناعة المأكولات البحرية التي تنمو في الصحراء ، بقلم : تيان جيانينغ
عندما تعمل قوارب الصيد في المياه المالحة القلوية بصحراء تاكلامكان، ويغمر الروبيان الأبيض الممتلئ برك الروبيان في ولاية هوتان، يتحول مشهد كان يُعدّ ضربا من الخيال إلى جزء طبيعي من مسار التنمية الاقتصادية في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم شمال غربي الصين. هذه الصحراء، التي تعرف بـ“بحر الموت” وتُعد ثاني أكبر صحراء متحركة في العالم، باتت اليوم تحتضن تربية السلطعون والروبيان والسمك الوقّار وأنواعا أخرى من المأكولات البحرية، في مشهد يقلب المفهوم التقليدي حول العلاقة بين الصحراء والبحر.
في عام 2024، بلغ إنتاج شينجيانغ من المنتجات البحرية 192,500 طن، وأصبح الاستزراع المائي صناعة لإثراء السكان في مناطق الإنتاج الرئيسية.
يكمن السر الجوهري وراء تربية المأكولات البحرية الصحراوية في التحويل الذكي للمياه. على عمق مترين تحت الأرض في صحراء تاكلامكان، بدرجة حموضة تتراوح بين 9 و9.5، وهي غير صالحة للزراعة لكنها تُوفر أساسا فريدا لتربية الأحياء المائية. ومن خلال تقنية “استعادة المياه المالحة القلوية إلى مياه البحر”، عمل الباحثون على “ضبط” المياه بدقة لمدة 45 يوما من خلال إضافة ميكروبات وبكتيريا خاصة، للتحكم بدقة في رقم حموضتها إلى ما دون 8.6، بما يحاكي بيئة بحر الصين الجنوبي. وفي الوقت نفسه، تُقلل تقنية “استزراع الروبيان البحري في المياه العذبة” تدريجيا من الملوحة في أحواض تحلية المياه، مما يسمح للروبيان بالتكيف مع بيئة المياه العذبة.
لا تُسهم هذه الابتكارات في حل “مشكلة نقص المياه” فحسب، بل تُنشئ أيضا نموذجا بيئيا دائريا بلا أي تصريف. ففي قاعدة للاستزراع المائي ببلدة تاتي ران بمقاطعة تشي مو، والمحاطة بالصحراء، توجد صالة استزراع بيئية داخلية كبيرة، وبركتان في الهواء الطلق، وحوض استزراع، نجحت في تربية 230 ألف سمكة. لا يحتاج حوض الاستزراع هذا، الذي تبلغ مساحته 2800 متر مربع، سوى فنيين اثنين. يتم اعتماد تقنية الزراعة الذكية بالكامل، حيث يمكن إكمال جميع العمليات، بما في ذلك التصريف، والتغذية، وتصفية المياه المتداولة، بنقرة زر واحدة عبر تطبيق الهاتف المحمول أو شاشة التشغيل الإلكترونية. تتم إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المحملة بفضلات الأسماك بعد معالجتها عبر نظام التدوير، محققة بذلك نموذج استزراع بيئي صفري الانبعاثات ودائري بالكامل.
والأهم من ذلك، أن تربية الأحياء المائية في الصحراء حققت عوائد اقتصادية هائلة. ففي مدينة ألار على حافة الصحراء، وصلت مساحة تربية جراد البحر وسرطان البحر والبلطي وغيرها من المنتجات المائية إلى 91,700 مو (حوالي 6113 هكتارا). في ولاية هوتان، الواقعة على الحافة الجنوبية للصحراء، تُحصد أصناف مثل سرطان البحر وأسماك الفرخ بوفرة كل عام، حيث تجاوز إجمالي إنتاج المنتجات المائية المحلية في النصف الأول من هذا العام وحده 1000 طن.
وتتميز السرطانات والأسماك والروبيان التي تُربى في مناخ الصحراء القاسي والفريد بلحمها المتماسك ومذاقها الفريد، فضلا عن خلوّها من تلوث البحار، مما يجعلها خيارا صحيا يفضله المستهلكون. ولا تقتصر هذه المنتجات على موائد سكان شينجيانغ فحسب، بل سيتم نقلها أيضا برا وجوا إلى جميع أنحاء البلاد ودول أخرى.
لم تُسهم المأكولات البحرية الصحراوية في تطوير صناعة تربية الأحياء المائية والمعالجة المحلية فحسب، بل عززت أيضا السياحة والمعالجة العميقة للمنتجات الزراعية وسلسلة من الصناعات ذات الصلة، مما شكل حلقة قيّمة في السلسلة الصناعية وفتح آفاقا جديدة للازدهار للسكان المحليين.
على سبيل المثال، إلى جانب تطوير الاستزراع المائي، ستُطوّر صحراء تاكلامكان، بالاعتماد على مناظرها الطبيعية العديدة القريبة من نهر تاريم ولوب نور، مجموعة متنوعة من الأنشطة السياحية المميزة، مثل مشاهدة المعالم والصيد في المسطحات المائية، مما يشكل سلسلة صناعية متكاملة.
أثبتت صناعة “المأكولات البحرية الصحراوية” في شينجيانغ الإمكانات الاقتصادية للصحراء بأرقام إنتاج مذهلة، وأبرزت القوة التكنولوجية الأساسية للصين من خلال تكنولوجيا “بناء البحار” الرائدة، وأعادت هيكلة الجغرافيا الاقتصادية للمناطق الداخلية بسلسلة صناعية تُثري السكان وتزيد دخلهم. من “بحر الموت” إلى “واحة مائية”، تُثبت شينجيانغ للعالم أن الحكمة البشرية والابتكار التكنولوجي قادران على تجاوز جميع القيود الجغرافية والبيئية، وتحويل الإمكانات اللامحدودة إلى واقع.

شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .