
مدينة البرتقال الحزين …. يافا ، بقلم : بديعة النعيمي
“يافا كالغريب يأتيها المساء، يحطّ على كتفيها، يلفّها بسواده ك شالٍ يلفّ امرأة دخلت فترة الحداد”
من رواية حنظلة
تقع مدينة يافا في منتصف الساحل الفلسطيني تقريبا، وعلى تلة هي الوحيدة على الشاطئ. كان لها دور مميز في الحركة الوطنية، حيث انطلقت منها ثورة ١٩٢٠. ومنها بدأ الإضراب التاريخي الذي عمّ البلاد، ودور فعال في الثورة الفلسطينية الكبرى عام ١٩٣٦.
كانت تشتمل على أربع وعشرين قرية عربية وسبعة عشر مسجدا، بقي منها مسجد واحد واختفت القرى جميعها.
شهدت يافا بعد قرار التقسيم معارك دامية. حيث هاجمها بتاريخ ١٣/مايو/١٩٤٨ حوالى ٥٠٠٠ من عصابات الهاجاناه والإرغون. اشتبكت مع القوة الدفاعية التي لم يكن تعدادها أكثر من ١٥٠٠، منهم مجاهدي فلسطين وخمسين مسلما من البوسنة وعدد من فرسان الهيكل، وهم مستعمرون ألمان، قدموا يافا في القرن التاسع عشر ضمن الحملات التبشيرية، وقرروا الدفاع عن مستعمراتهم المتواجدة في المدينة.
وينقل الحاج أمين الحسيني في مذكراته، أنه طلب من جامعة الدول العربية تسليح المجاهدين المدافعين عن يافا، تسليحا وافيا وبشكل سريع. غير أن أحد المسؤولين العرب، قال له “لا ضرورة لتسليح يافا البتة، لأن قرار التقسيم جعل يافا ضمن المنطقة العربية، فلا خوف عليها مطلقا من اعتداء اليهود”.
وقد سقطت يافا بعد نفاد الذخيرة مقابل السلاح الذي كانت تمتلكه العصابات الصهيونية. فقُصفت مدينة البرتقال الحزين وعروس البحر الأبيض المتوسط براجمات الألغام وقذائف الهاون والموتور البريطانية الصنع واشتد الضغط العسكري عليها.
وكعادتها، ارتكبت العصابات الصهيونية الفظائع، فقتلت الأطفال والشيوخ وشقّت بطون الحوامل وقتلت الأجنة بدم بارد.
كما فصلوا الرجال وكبار السن عن النساء وتم إعدام كل من لديه القدرة على حمل السلاح. وقتلوا كل من رفض الخروج من ارضه وبيته، وقامت العصابات الصهيونية بمساعدة البريطانيين بعمليات تفتيش وسرقة ونهب للفلسطينيين المهجرين قسرا، كما أقدموا على إعدام الشباب بالرصاص الحى ميدانيا.
ثم طُرد أصحاب الأرض والبالغ عددهم ٥٠،٠٠٠ نسمة خارج أرضهم، في مشاهد أعادت مشاهد يوم الخروج من حيفا. فتدافع الناس نحو البحر للصعود في قوارب الصيد الصغيرة التي كانت ستنقلهم إلى غزة، وأثناء ذلك كانت العصابات اليهودية تطلق النار فوق رؤوسهم بهدف تسريع هروبهم.
وأما من تبقى من أهل المدينة فقد تم حشرهم في منطقة مغلقة في حي العجمي، أحيطت بأسلاك شائكة، فأصبحوا أصحاب الأرض الشرعيين كأنهم في سجن تم بناؤه على يد عصابات الشتات.
وانتهى سقوط المدينة بدمار في كل حارة وشارع، ناهيك عن الدمار الثقافي الذي تعرضت له، فأصبحت الحارات العربية يهودية. كما لم تسلم المقدسات الإسلامية، حيث تم هدمها وبني مكانها مجمعات سكنية للمستوطنين. كما استولوا على مقام النبي روبين وهودوه.
وقتلوا أشجار البرتقال الذي طالما تغنينا به في مناهجنا الدراسية وغربوا المدينة بالكامل عبر القوانين والمشروعات التهويدية.
واليوم لا زال ما تبقى من المسجد المجاور للمقام آثار ماثلة للعيان لم تتوقف عن الترديد منذ ٧٦ عاما بلسانها العربي….
كانت هنا جميلة اسمها يافا وستنتفض يوما كفينيق.