10:26 صباحًا / 9 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

أمانٌ مكسور .. ، بقلم : ناديه كيوان

ناديه كيوان

أمانٌ مكسور.. ، بقلم : ناديه كيوان


الأمان ليس رفاهيةً يمكن التنازل عنها، بل هو حاجة وجودية، تماماً كالماء والهواء. فالإنسان، منذ ولادته، يبحث عن حضنٍ يحميه من خوفه الأول، عن يدٍ تطمئنه أنّ العالم مكانٌ آمنٌ ليكبر فيه. ولعلّ الدولة، في تعريفها الأصيل، ليست سوى تجسيدٍ لهذا الأمان، فهي التي تُنشأ القوانين لتحمي الضعيف من بطش القوي، وتبني الأسوار لا لتُحاصرنا بل لتصون أرواحنا، وتُشكّل الشرَطة لا لتقمع بل لتُخفّف منسوب الخوف في الشوارع.


لكن ماذا لو انقلبت المعادلة؟
ماذا لو كان السيف الذي يُفترض أن يحرسك هو ذاته الذي يقطع الطريق أمامك؟
ماذا لو كان صوت الصافرة الذي يُفترض أن يُنذرك بالنجاة، صار صوتاً يزرع الرعب في قلبك؟


حينها يتحوّل الوطن من بيتٍ إلى متاهة، وتتحوّل الدولة من حضنٍ إلى خصم، ويُصبح الأمان حلماً بعيداً لا يُرى إلا في مناماتٍ مثقلة بالوجع.


الصدمة ليست في العنف ذاته، بل في مصدره. فحين يهاجمك عدوّك فأنت تفهم منطق الصراع، وحين يغدر بك الغريب فأنت تدرك أنّه لم يعرفك. لكن أن يُهاجمك مَن كُلّف بحمايتك، فهنا تكمن الخيانة العظمى. هنا تُكسر معادلة الثقة من جذورها، ويُغتال الإحساس بالانتماء من قلبه.


إن الإنسان بلا أمان يُصبح شبحاً يعيش على هامش الحياة، يخرج من بيته متلفّتاً كمن يسير في ساحة حرب. والأطفال الذين يُفترض أن يلعبوا ببراءة، يكبرون وهم يتعلّمون أنّ الشرطي الذي يمرّ ليس صديقاً، بل احتمال خوف. أيّ جرحٍ أعمق من أن يرى الصغيرُ مَن يفترض أن يحميه كتهديدٍ دائم؟


وما بين هذا التناقض، يصرخ السؤال فينا جميعاً:
أين نلجأ إن كان الملجأ ذاته يهاجمنا؟
إلى أيّ بابٍ نطرق، إن كانت أبواب العدالة مُحكمة الإغلاق؟


كيف نُعلّم أبناءنا معنى الوطن، إن كان الوطن نفسه يُجرّعهم الخوف بدل الطمأنينة؟
إن مواجهة هذه الحقيقة ليست سهلة، لكن الصمت أمامها أصعب. فالشعوب التي تعيش بلا أمان تُصبح هشّة، منكسرة الروح، لا لأنها ضعيفة بطبعها، بل لأنها أُنهكت من مواجهة السوط في مكانٍ يُفترض أن يكون ظلّها وملاذها.


وربما تكمن القوّة في أن نظلّ نُسمّي الأشياء بأسمائها، أن نقولها بوضوح: الأمان ليس مِنّة من أحد، بل حقّ إنساني. والاعتداء على هذا الحق، حين يأتي من أصحاب السلطة، ليس مجرد خطأ عابر، بل جريمة مضاعفة: جريمة قتل الثقة، وقتل الحماية، وقتل الحلم بأن تكون الدولة بيتاً يتّسع للجميع.


فليظلّ السؤال مفتوحاً كجرحٍ نازف:


كيف نكون آمنين،
إذا كان مَن كُلّف بحمايتنا،
هو ذاته مَن يهاجمنا؟
ناديه كيوان

شاهد أيضاً

مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى ويؤدون طقوسًا تلمودية

شفا – اقتحمت مجموعات المستوطنين باحات المسجد الأقصى المبارك، صباح يوم الثلاثاء، وسط أداء طقوس …