
رؤية يمينية متطرفة ، -E1 ، كأداة لتثبيت واقع استيطاني لا رجعة فيه ، بقلم : بديعة النعيمي
تشكل منطقة “E1” والتي تعد امتدادا استيطانيا لمستوطنة “معاليه أدوميم” شرق القدس المحتلة واحدة من أخطر النقاط الجغرافية والسياسية في الضفة الغربية لأنها تمثل عمليا خنقا متعمدا للضفة عبر فصل شمالها عن جنوبها، ونسفا لأي احتمال لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا.
يعود التخطيط الأولي لهذا المشروع إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث سعت حكومات الاحتلال المتعاقبة إلى توسيع النفوذ اليهودي بين القدس والمناطق المحيطة بها، غير أن الضغوط الدولية حالت دون تنفيذ المخطط لعقود. ورغم أن المشروع تم تجميده ظاهريا، إلا انه بقي حاضرا في الخطاب الصهيوني، ليعود اليوم إلى الواجهة بدفع من اليمين الحاكم، ووضعه على طاولة التنفيذ.
وعن هذا المشروع، فهو يقع على مساحة تتجاوز ١٢ كم مربعا، ويشمل بناء أكثر من ٣٤٠٠ وحدة استيطانية، ما يعني ربطا مباشرا بين القدس الشرقية المحتلة ومستوطنة “معاليه أدوميم”، ما سيقطع التواصل الجغرافي بين رام الله في الشمال وبيت لحم والخليل في الجنوب.
هذا الانفصال الجغرافي الذي سيتسبب بشطر البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لشعبنا الفلسطيني، ويحرمهم القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، لن يكون من نتائجه تقطيع الأرض فقط إنما سيمتد إلى محو الوجود الإنساني لصاحب الأرض الشرعي، خصوصا بدو عشيرة الجهالين، الذين يواجهون منذ سنوات طويلة سياسات تهجير وهدم للمنازل والمنشآت التعليمية والخدمية. يعتبرونه تهديدا مباشرا لنمط حياتهم القائم على الزراعة والرعي، ولتراثهم الاجتماعي، في ظل حرمان ممنهج من تراخيص البناء والخدمات الأساسية.
تطور الأحدث في هذه القضية جاء عندما أعلنت حكومة “بنيامين نتنياهو”، بدفع من وزير المالية المتطرف “بتسلئيل سموتريتش”، عن المضي قدما في تنفيذ الخطة، وطرحها للتصديق النهائي في الكنيست بحلول ٢٠/أغسطس/٢٠٢٥.
حيث أكد الأخير، أن المشروع “يدفن فكرة الدولة الفلسطينية”، في تصريح يكشف الطبيعة العقائدية الصريحة وراء الخطوة، ويؤكد أن الأمر له علاقة برؤية إيديولوجية هدفها السيطرة على الأرض وتقويض أي حل تفاوضي.
جاء هذا الإعلان وسط تزايد الانتهاكات في الضفة الغربية، وتوسيع المستوطنات بشكل غير مسبوق، وسط صمت دولي شبه تام، وردود خجولة تعبر عن “القلق البالغ”، ومن طرفها فإن دولة الاحتلال تجاهلت هذه الردود كعادتها، وواصلت خطواتها على الأرض. وبهذا، فهي تثبت واقعا استيطانيا لا رجعة فيه، يحول الضفة إلى كنتونات معزولة، ويحيل الدولة الفلسطينية إلى وهم جغرافي.
ولكن ورغم خطورة مشروع “E1” وتبعاته الكارثية على مستقبل فلسطين، إلا أن هذا المشروع، كما كل محاولات التهويد والاقتلاع السابقة، لن يمر ما دامت هناك مقاومة حية تدافع عن أرضها، وشعب فلسطيني يتمسك بجذوره الضاربة في العمق، يزرع الأمل في كل شبر من أرضه، ويواجه بأجساده العارية جرافات الاحتلال. لن تنجح محاولات فصل الجغرافيا ما دام هناك من يوحدها بالإرادة، ومهما حاول العدو أن يفرض ذلك الواقع الاستيطاني بقوة السلاح والتخويف، فإن إرادة هذا الشعب الصامد هي التي ستفرض المعادلة في النهاية.
- – بديعة النعيمي – كاتبة وروائية وباحثة