
الصين والدول العربية يدا بيد لبناء وطن أخضر تجربة التعاون في مكافحة التصحر ، موريتانيا نموذجا ، بقلم : ما شيويه روي
تعدّ مشكلة التصحر من أبرز التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم. وفي مواجهة هذا التحدي المشترك، أسست الصين والدول العربية علاقات تعاون وثيقة على طريق مكافحة التصحر. هذا التعاون ينبع من ارتباط الطرفين العميق بالأرض، وتطلعهما المشترك لبناء وطن أخضر مستدام، ومن شراكة صادقة بُنيت على أساس تبادل المعرفة والخبرات التكنولوجية.
ويصادف العام 2025 الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وموريتانيا، حيث باتت ثمرة تعاونهما في مجالات مكافحة التصحر، والطاقة، والبنية التحتية خير دليل على عمق الصداقة الصينية العربية.
التجربة الصينية في مكافحة التصحر: الريادة التكنولوجية، والتكيف مع الظروف المحلية
حققت الصين إنجازات بارزة في مجال مكافحة التصحر حظيت بتقدير عالمي. وانطلاقًا من فكر الرئيس شي جين بينغ حول “الحضارة الإيكولوجية”، تبنّت الصين مفهوم التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، وسلكت مسارا فريدا ذا طابع صيني في الأراضي المتدهورة. في مناطقها الشمالية الغربية، طوّرت الصين نموذجا متكاملا يعتمد على الجمع بين الحواجز العشبية، والشجيرات، والأشجار الاقتصادية، مما شكّل منظومة فعّالة لمكافحة التصحر.
وكان للابتكار العلمي دور محوري في هذه الإنجازات؛ حيث أسهمت تقنيات مثل البذر عبر الطائرات المسيّرة، وأنظمة الري الذكية، والمواد الجديدة لتثبيت الرمال، في تعزيز كفاءة مشاريع مكافحة التصحر بشكل كبير. وتؤكد الصين على استعدادها لمشاركة تجاربها مع جميع الدول، ولا سيما تلك التي تواجه تحديات بيئية مماثلة، وفي مقدّمتها الدول العربية.
موريتانيا: نموذج يحتذى به في التعاون الصيني العربي لمكافحة التصحر
تُعاني موريتانيا، التي تغطي الصحراء الكبرى ثلثي مساحتها، من تحديات تصحر قاسية. وفي ديسمبر 2024، دخل مشروع “الحديقة التكنولوجية الخضراء الصينية-الإفريقية” حيز التشغيل في موريتانيا، وهو مشروع نموذجي أنشأه معهد شينجيانغ للبيئة والجغرافيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، على مساحة 4 هكتارات، ويضم 35 تقنية صينية لمكافحة التصحر، من بينها الحواجز العشبية، والحواجز الرملية المرتفعة، وتقنيات الري بالطاقة الشمسية.
وقد صرّح المدير العام للوكالة الوطنية للسور الأخضر الكبير، سيدنا أحمد ولد اعل، قائلًا: “يشكّل هذا المشروع النموذجي مثالًا يُحتذى به لمبادرة السور الأخضر الإفريقي، ويبرهن على أن التجربة الصينية قادرة على تحويل تحدي الصحراء إلى فرصة”.
وفي يونيو 2025، بدأت تظهر نتائج ملموسة في حقل التجربة الزراعية بقرية بيل باركا في ولاية ترازة غربي موريتانيا، حيث تحولت الأراضي القاحلة إلى رقعة خضراء، وزُرعت فيها بنجاح محاصيل مثل الباذنجان والجزر والشمندر. وعلق المنسق الموريتاني للمشروع، توراد ميدو، بفخر: “هذا ليس مجرد مشروع لمناظر طبيعية قصيرة الأجل، بل هو تحول أخضر مستدام حقيقي”. وقد أسهم المشروع في تحسين البيئة المحلية، وتدريب 45 فنيًا موريتانيا، مما أسهم في إعداد جيل من “الحرفيين البيئيين” في البلاد.
تعاون مستمر: من مكافحة التصحر إلى الطاقة والبنى التحتية
لم يقتصر التعاون الصيني الموريتاني على مكافحة التصحر فحسب، بل امتد ليشمل العديد من المشاريع الناجحة في مجالات الطاقة والبنية التحتية. ففي أبريل 2025، بدأ العمل في مشروع محطة كهرباء بقدرة60 ميغاواط تعمل بالوقود المزدوج في العاصمة نواكشوط. وقد حضر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، حفل وضع حجر الأساس، مؤكدا أن المشروع يمثل “خطوة جوهرية ضمن استراتيجية موريتانيا للطاقة”.
وفي 15 مايو، تم افتتاح جسر الصداقة الصيني الموريتاني في نواكشوط، بحضور الرئيس الغزواني، وسفير الصين لدى موريتانيا تانغ تشونغدونغ. وقال وزير التجهيز والنقل الموريتاني، أعل ولد الفيرك: “هذا الجسر يعد هدية ثمينة في الذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ويجسد عمق التعاون بين الصين وموريتانيا من أجل التنمية المشتركة”. هذه الإنجازات تعكس بشكل حي مبادئ “التشاور والتنمية المشتركة والتقاسم” لمبادرة الحزام والطريق، وتبرز آفاق الشراكة المتينة بين الصين والدول العربية.
تطلعات مستقبلية: نحو بناء مجتمع مصير مشترك أخضر بين الصين والدول العربية
في عام 2025، وقّع البلدان مذكرة تفاهم لإنشاء غابة كربونية بمساحة 10 آلاف هكتار، على أن يتم توسيع نموذج الحديقة التكنولوجية الخضراء ليشمل مناطق أوسع. وفي تصريحات لوزيرة البيئة والتنمية المستدامة، مسعودة بنت بحام ولد محمد لغظف، قالت: “الدعم الصيني خالٍ من الشروط السياسية، ويجسد روح التعاون الحقيقي القائم على المنفعة المتبادلة”. وفي المستقبل، تتطلع الصين إلى تعزيز تعاونها مع الدول العربية في مجالات مكافحة التصحر، والطاقة النظيفة، وحماية البيئة، بما يرسّخ نموذجا جديدا للتنمية الخضراء.
وبينما نحيي الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وموريتانيا، فإننا نؤمن بأن التعاون الصادق والمشاركة الفعالة ستحول الصحارى الممتدة إلى واحات أمل، وسيصبح حلم بناء وطن أخضر مشترك بين الصين والدول العربية واقعا ملموسا. فهذه الرؤية وتلك الجهود ليست مجرد تعبير عن احترامنا للطبيعة، بل هي أيضا تأكيد لالتزامنا العميق بمستقبل الإنسانية المشترك.
- – ما شيويه روي – إعلامية صينية – الصين .
إقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة