
عصام مخول وداع القائد والمناضل والمفكر ، بقلم : محمد علوش
ودّعنا صباح يوم الجمعة 26 كانون الأول/ ديسمبر 2026، الرفيق والصديق القائد والمناضل والمفكر الكبير، عصام مخول “أبو حنا”، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وأمينه العام الأسبق، ورئيس معهد إميل توما للدراسات، عن عمر ناهز الثالثة والسبعين عاماً، ورحيله يشكّل فقداناً لا يعوّض للحركة الوطنية الفلسطينية، وللساحة الفكرية والسياسية التي ظلّ فيها طوال عقود شخصية استثنائية، أثرى النقاش الوطني والتقدمي والفكري بعمق، وحمل رؤية بعيدة المدى للحرية والعدالة والمساواة.
عصام مخول لم يكن مجرد قائد سياسي أو مفكر نظري؛ كان تجسيداً حقيقياً للشخصية الشيوعية النضالية، والتزاماً أصيلاً بالقيم والمبادئ، حيث أمضى حياته كلها في ميادين النضال، مدافعاً عن شعبه، وساعياً لإرساء دعائم الحرية والسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية، وكان يؤمن أن الحرية لا تنتزع إلا بالتضحيات والمثابرة، وكان حاضراً دائماً في النقاشات والمبادرات، متفردًا بقدرته على الجمع بين التحليل السياسي العميق والفعل الميداني الفاعل، وبين النقد البنّاء والحكمة العملية، وبين وعي الإنسان ومسؤوليته، وقلوب المناضلين المتحمسة.
جمعتني به محطات نضالية عديدة، وكل لقاء كان درساً في الالتزام والوفاء للمبادئ، وقد التقينا في فعاليات وطنية متكررة، وشاركنا في ندوات سياسية وفكرية مهمة، كان حضوره فيها دائماً يبعث طاقة خاصة، ووعياً ناضجاً، ونقداً صادقاً، وحافزاً للعطاء بلا حدود، وأتذكر بندوة استضافتها جامعة القدس المفتوحة في طولكرم، شارك فيها الكاتب محمد علي طه، وتشرفت بإدارتها، وكانت تلك الندوة نموذجاً حياً لروح عصام مخول الفكرية المتقدة، ولحرصه على تعزيز الحوار السياسي البناء، ولقدرته على تحويل كل منصة إلى فرصة للتوعية والتثقيف، وإلهام الآخرين للنضال من أجل الحقوق والمبادئ.
على مدار حياته، ظل عصام مخول صوتاً قوياً للدفاع عن قضايا شعبنا داخل أراضي 48، من منطلق إيمانه بحق الفلسطينيين في العودة والعدالة والمساواة، كان مناضلاً لا يكلّ، وشارك في تنظيم حملات ونشاطات وطنية، وعمل بلا كلل على تعزيز الوعي الوطني والاجتماعي، وقيادته للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة كانت مفعمة بالحزم والذكاء السياسي، كما كان دوره في الحزب الشيوعي ركيزة أساسية لتعزيز الوحدة الوطنية والعمل الجماعي، إضافة إلى ذلك، كان لمساهماته الفكرية والمقالات السياسية في جريدة “الاتحاد” ومجلة “نضال الشعب” أثرٌ كبير في نشر الثقافة السياسية، وفهم التحولات الإقليمية والدولية، وإلهام الأجيال الشابة للمشاركة في النضال الوطني والفكري.
حتى في الأيام الأخيرة من حياته، لم يبتعد عن متابعة العمل المشترك والجهود الوطنية، وكنا نخطط لعقد لقاء مشترك بين جبهة النضال الشعبي الفلسطيني والحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في رام الله، وكان يراقب تفاصيل الخطط، ويقرأ مقالاتي، ويعلّق أحياناً بدعم وتشجيع، أو يفتح أفقاً جديداً للحوار والنقد البنّاء، وهذه الرعاية والاهتمام لم تكن تصرفاً شخصياً فقط، بل كانت انعكاساً لروح الرفاقية الحقيقية، ولحرصه على نقل المعرفة والخبرة، ولتأكيده الدائم على أن النضال الجماعي والمستمر هو الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف الوطنية.
ترك عصام مخول إرثاً نضالياً وفكرياً غنياً وعميقاً، لا يقتصر على موقعه القيادي في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أو دوره في الحزب الشيوعي، أو رئاسته لمعهد إميل توما للدراسات، وكل من عرفه وتأثر بتجربته، وكل من تبنى فكرة أو مشروعاً ضمن القيم التي آمن بها، كان يجمع بين الحزم والاعتدال، وبين الالتزام الصارم بالمبادئ والانفتاح على الحوار، وبين الرؤية الوطنية والإحساس العميق بالمسؤولية الإنسانية، ولقد علّمنا أن القيادة الحقيقية ليست مجرد سلطة أو منصب، بل قدرة على إلهام الآخرين، وتحفيزهم على العمل، ونقل الخبرة، وترك أثر دائم في مجتمع يطمح للحرية والعدالة.
رحيله يترك فراغاً كبيراً على المستوى الشخصي والوطني، لكنه ترك إرثاً حياً مستمراً في الفكر والعمل، وفي النشاط اليومي، وفي كل خطوة نحو فلسطين حرة وعادلة، وسنستمد من تضحياته ودروسه القوة للاستمرار في المسيرة، وحمل شعلة نضاله في مواجهة التحديات والظلم، فلقد علمنا أن الإيمان بالمبادئ، مع المثابرة والشجاعة، قادر على تحويل الحلم إلى واقع، وأن الالتزام بالعدالة والمساواة هو الطريق الحقيقي الذي أراده لنا جميعاً.
وداعاً أيها الرفيق العزيز، وداعاً أيها القائد الملهم، وداعاً أيها الصديق الوفي، فغيابك فاجعة، لكن روحك ونضالك وإيمانك بالمبادئ ستظل منارة تهدي دروبنا، وسنواصل حمل شعلة نضالك، والعمل على تحقيق حلمك بفلسطين حرة وكريمة كما حلمت بها طوال حياتك، ورحيلك ليس نهاية، بل بداية لإرث مستمر في العطاء والتفاني، وسيظل صوتك وفكرك دليلاً لكل من يسير على طريق النضال من أجل الحرية والكرامة.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .