2:44 مساءً / 20 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

من داخل الوجدان اليمني: كيف يرى اليمنيون واقعهم اليوم؟ ، بقلم : مصطفى عبدالملك الصميدي

من داخل الوجدان اليمني: كيف يرى اليمنيون واقعهم اليوم؟ ، بقلم : مصطفى عبدالملك الصميدي

مقدمة

يعيش اليمن اليوم واقعاً معقداً وممتدّ الجذور، تتداخل فيه الأبعاد السياسية والاقتصادية والإقليمية والدولية. غير أنّ رؤيتنا كيمنيين لما يجري لا تنفصل أبداً عن رؤيتنا لقضيتنا العربية الأولى: فلسطين، التي شكلتْ عبر عقود طويلة محوراً وجدانياً وثقافياً وسياسياً للشعب اليمني. فمنذ أجيال، حمل اليمنيون القضية الفلسطينية في قلوبهم، واعتبروها جزءاً أصيلاً من هويتهم وموقفهم الديني والأخلاقي والإنساني.

القضية الفلسطينية… حضور دائم في الوعي اليمني

لقد ارتبط الوعي اليمني الجمعي بفلسطين ارتباطاً متيناً، لا تهزه التحولات ولا تضعضعه الضغوط. فالشعب اليمني وقف – وما زال – إلى جانب الشعب الفلسطيني بكل ما يملك، إيماناً بعدالة قضيته ومشروعية مقاومته، وإدراكاً بأن المحتل لا يُواجه إلا بالموقف الثابت والحق الواضح. ولذلك، لم يكن مستغرباً أن يُواجَه اليمن بحصار اقتصادي وحرب تُشنّ بين حين وآخر، عقاباً له على مساندته غزة ورفضه الانصياع لإرادة القوى الخارجية. ومع ذلك، بقي الشعب ثابتاً على موقفه، مؤمناً بأن الله وحده هو مغير الأحوال، وبأن التراجع ليس خياراً لأمة تقاوم بمبدئها قبل قوتها.

التدخلات الخارجية ومحاولات كسر الإرادة

إن ما يشهده اليمن اليوم من ضيق اقتصادي، وتدهور في الخدمات، وتراجع في مستويات الحياة، ليس وليد الداخل بأي شكل من الأشكال؛ بل هو في جوهره نِتاج مباشر لتدخلات دولية وإقليمية عملتْ بجهدٍ حثيث على تطويع اليمن وكسر إرادته. هذه القوى تدرك جيداً ما يملكه اليمنيون من قدرة وعزيمة لا تلين على تغيير موازين القوى في المنطقة، سواء عبر دورهم في البحر، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى وطرق إمداد الكيان الغاصب، أو عبر الإسناد العسكري والشعبي لإخواننا المظلومين في فلسطين. ولأن اليمن اختار الوقوف في صف المستضعفين، كان من الطبيعي أن تُفرض عليه العقوبات، وأن تُستخدم الحروب والضغوط الاقتصادية وسيلةً للنيل من موقفه ومبادئه.

الموقف الشعبي والعسكري… وحدة وكرامة

ورغم كل الظروف، أظهر اليمنيون – شعباً وجيشاً – موقفاً مُشرِّفاً، رفع رؤوسنا عالياً في ظل صمت عالمي مُريب، إذ أثبتتْ القوات المسلحة اليمنية، بدعم شعبها الأبي والصامد، أن الكرامة لا تُشترى، والسيادة لا تُباع، والمبادئ لا تُساوَم. كذلك كما أثبتت التجربة أن الشعوب التي تحمل قيم العدالة والإنصاف، وتناصر المظلومين، لا يمكن أن تُهزَم حتى وإن أنهكها الجوع والفقر والمرض. وقد ورِث اليمنيون عن أجدادهم مبدأ أصيلاً: أن الحياة بلا كرامة ليست حياة. ولذلك ظلوا صامدين صمود الجبال، متكيّفين مع أصعب الظروف، موقِنين أنّ الموقف أثمن من رغد العيش، وأن الفقر في سبيل المبدأ شرف، بينما الرفاه على حساب المبادئ والقيم ليس إلا سقوطاً أخلاقياً وإنسانياً على حدٍّ سواء.

الأزمة امتحان… والمبدأ عنوان

إنَّ الواقع اليمني اليوم، بكل ما يحمله من أزمات، ليس إلا امتحاناً وتمحيصاً تُختبر فيه صلابة الموقف وصدق النوايا. وعلينا دائماً أن نتذكر قول الله تعالى:


{انفروا خِفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}
وقوله سبحانه: {وإنّ جندنا لهم الغالبون}.

فمن يرى نفسه في صف الحق، لا يخشى ضيق العيش، ولا يهن أمام صعوبات الطريق وإن عَظُمَتْ. واليمن اليوم – كما غزة – يقف في معركة وجود تتجاوز حدود الجغرافيا، وتمتد إلى روح الإنسان وكرامته وحقه في الحياة.

خاتمة

إن رؤية اليمنيين لواقعهم ليست رؤية انهزامية، ولا استسلاماً أمام الظروف، بل هي رؤية مبنية على وعي تاريخي وإرث عريق من الصمود والإباء. ورغم الجراح والضغوط والحصار، يبقى اليمن ثابتاً على مبادئه، وفي مقدمتها نصرة المستضعفين، والوقوف مع فلسطين، والدفاع عن الكرامة الإنسانية. فنحن كيمنيين، لا يطيب لنا العيش وثمّة من يجوع ويفنى من أبناء جلدتنا، ومصيرنا مرتبط بمصيرهم ولو صار الفقر ظلاً لا يفارقنا.

إن اليمن – بإنسانه وتاريخه – لم ولن يتخلى عن موقفه، لأنه يدرك أن القيم هي إرث الأمم، وأن المواقف هي ما يصنع التاريخ، وأن الحق يعلو ولو طال الطريق. فنحن من جند الله وما أرقى أن نكون كذلك، ونروم إلى الأخرى وندرك أن الحياة الدنيا متاع ولهو وزينة ولن تدوم إلا إلى ذات حين.

  • – مصطفى عبدالملك الصميدي – اليمن

شاهد أيضاً

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتلقى برقية تهنئة بذكرى إعلان الاستقلال من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتلقى برقية تهنئة بذكرى إعلان الاستقلال من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

شفا – تلقى رئيس دولة فلسطين محمود عباس، برقية تهنئة من الرئيس الجزائري عبد المجيد …