4:41 مساءً / 19 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

المشروع الأميركي الجديد لغزة..هل هو انتداب حديث؟ بقلم : بديعة النعيمي

المشروع الأميركي الجديد لغزة..هل هو انتداب حديث؟ بقلم : بديعة النعيمي

قامت إدارة “دونالد ترامب” بتقديم تصور جديد لإدارة غزة بعد الحرب تمثل في رؤية صاغتها واشنطن باعتبارها خطة لإعادة بناء القطاع وإنهاء حالة الصراع المستمرة.


الخطة اعتمدها مجلس الأمن ووافق عليها بتاريخ 17/نوفمبر/2025، وجاءت في عشرات البنود التي تضع غزة تحت إشراف دولي مباشر عبر قوة استقرار متعددة الجنسيات، وإدارة انتقالية تكنوقراطية يقودها “مجلس سلام” دولي.

تقوم الخطة على ثلاث ركائز أساسية، أولها ترتيبات أمنية صارمة تبدأ بنشر “قوة دولية” تتولى مراقبة وقف إطلاق النار، والإشراف على إعادة الأمن الداخلي، ووضع آليات لنزع “سلاح الفصائل المسلحة”.


وثانيها إدارة انتقالية تتولاها هيئة دولية يرأسها ترامب نفسه، تتفرع عنها لجنة تكنوقراطية فلسطينية تدير الشؤون المدنية بعيدا عن الفصائل.


وثالثها عملية إعادة إعمار مشروطة، تعتمد على تدفق دعم دولي واسع مقابل التزام غزة بمسار سياسي وأمني جديد، مع الإشارة إلى “إمكانية” قيام دولة فلسطينية مستقبلية إذا تحققت شروط الاستقرار والإصلاح.

غير أن هذه الخطة رغم قبولها دوليا، اصطدمت برفض حاد من جميع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس. ذلك لأنه بالنسبة لها لا يمكن النظر إلى الخطة إلا بوصفها محاولة لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني عبر أدوات خارجية، بما يفكك بنيتها العسكرية والتنظيمية ويفرض عليها واقعا سياسيا جديدا دون تفاوض أو ضمانات. وهذا من حقها لأن أي فصائل مقاومة يرزح شعبها تحت احتلال معين لن تقبل بهذه الخطة. وخاصة بما يتعلق ببند نزع السلاح. فحماس ترى في هذا المطلب جوهرا سياسيا لا يمكن التنازل عنه، لأن سلاحها هو رمز لوجودها ودورها كحركة مقاومة تدافع عن أرضها لا عن مكاسب سياسية. وبالتالي فإن تسليمه لقوة دولية يعني عمليا إنهاء نفوذها ورفع قدرتها على التفاوض، وهذا مرفوض.


كما أن وجود قوة ما تسمى ب “قوة استقرار متعددة الجنسيات” ما هو إلا وصاية أمنية مباشرة على غزة، يمنح أطراف خارجية، على رأسها الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، سلطة التحكم في مفاصل الأمن الفلسطيني.

إلى جانب ذلك، ترفض الفصائل ما تصفه ب “الوصاية الإدارية الدولية”. ف “مجلس السلام” الذي تقترحه الخطة، برئاسة “ترامب”، يصبح السلطة الفعلية في غزة، بينما تترك الإدارة المحلية بيد خبراء فلسطينيين دون صلاحيات سياسية حقيقية. ما يعيد إنتاج شكل من “الانتداب الحديث”، حيث تفصل السيادة عن الإدارة، وتدار غزة بطريقة فوق وطنية لا تعكس إرادة أهلها أو قواها السياسية.

أما العامل الآخر الذي دفع بالفصائل إلى الرفض فهو فقدان الثقة. فهي ترى أن دولة الاحتلال قد تستخدم الخطة لتكريس مكاسب عسكرية وسياسية ثم تتراجع عن الاستحقاقات اللاحقة. بالإضافة إلى أن الانسحاب “التدريجي” الذي تقترحه الخطة يعتبر تكتيكيا لإدارة الاحتلال بدل إنهائه.


كما أن الفصائل تخشى أن يتحول وجود القوة الدولية إلى غطاء قانوني لاستمرار الرقابة الأمنية على غزة لعقود، دون أن يؤدي ذلك إلى استقلال حفيقي أو نهاية لمعاناة أهلها.

وتضيف الفصائل سببا آخر لرفض تلك الخطة، وهو ملف الرهائن لديها. فواشنطن تطالب بإطلاق سراح جميع الرهائن فورا، وهو ما تعتبره حماس تنازلا مجانيا يفقدها أحد أقوى أوراق التفاوض، في حين لا تقدم الخطة ضمانا واضحا لمقابل سياسي أو أمني مضمون.

كما وتنظر إلى الخطة على أنها محاولة لتفكيك البنية السياسية القائمة. فصيغة الإدارة التكنوقراطية تخرج الفصائل الفلسطينية على رأسها حماس، من المشهد بطريقة غير مباشرة. فهي تمنعها من المشاركة في الحكم، وتفرض مؤسسات جديدة تمهد لبديل سياسي لا ينبع من المجتمع المحلي، بل من توافق “دولي-إقليمي” لا يمثلها. وهذا يعتبر من وجهة نظرها هندسة خارجية تهدف إلى تغيير موازين القوة في القطاع وفقا للمصالح الأميركية وذيلها الصهيوني.
وفي ضوء كل ما تقدم، يمكن القول إن السبب الجوهري لرفض الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، لهذه الخطة يكمن في انعدام الثقة العميق بالإدارة الأميركية والصهيونية لأنها خبرت على مدى عقود طبيعة التسويات المفروضة من الخارج. ولعل أوضح الأمثلة التاريخية التي تستدعيها الذاكرة الفلسطينية هي تجربة 1982 وخطة “فيليب حبيب” في بيروت، إذ جرت آنذاك مفاوضات عبر وساطة أميركية دون ضمانات حقيقية، ترتب عليها خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت ونزع سلاحها تحت وعود بحماية المدنيين، فكانت النتيجة مجزرة صبرا وشاتيلا.هذه التجربة، بكل ما حملته من خذلان وانهيار للضمانات الدولية، تمثل لدى المقاومة درسا لا يمكن تجاهله كلما طرحت مبادرة أميركية جديدة تعتمد على “التطمينات” ذاتها. لذلك، فإن الرفض يأتي من قراءة عميقة ومتراكمة لسياق تاريخي أثبت أن مثل هذه الترتيبات كثيرا ما تؤدي إلى إضعاف القوى الفلسطينية، وإعادة إنتاج السيطرة الخارجية، وترك الشعب الفلسطيني بلا حماية ولا سيادة حقيقية. ومن هنا، فإن تمسك الفصائل بموقفها ما هو إلا تعبير عن وعي سياسي وتجربة مريرة لا كما يقال أن رفضها يكمن في نزاعها على النفوذ والاستمرار في حكم غزة.

شاهد أيضاً

الإعلاميون والأكاديميون في اليابان يواصلون انتقاد تصريحات تاكايتشي الخاطئة حول تايوان

شفا – شينخوا – واصل الإعلاميون والأكاديميون اليابانيون إدانة رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بسبب تصريحاتها …