9:59 مساءً / 19 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الأدب الديستوبي ورواية يوتوبيا ، بقلم : بلقيس عثامنه

الأدب الديستوبي ورواية يوتوبيا

الأدب الديستوبي ورواية يوتوبيا ، بقلم : بلقيس عثامنه


تطرح الأدبيات الحديثة سؤالًا جوهريًا حول مستقبل الإنسان في عالم يتسارع نحو التحول، وتبدو الديستوبيا ،كأدبًا يستشرف المآلات المظلمة، من أهم الأجناس السردية القادرة على مقاربة هذا السؤال، فالديستوبيا تعكس ما يعتري الواقع من اختلالات سياسية واقتصادية واجتماعية، عبر بناء عالم متخيل شديد القسوة، وفي هذا الإطار تأتي رواية «يوتوبيا» لأحمد خالد توفيق بوصفها واحدة من أبرز الأعمال العربية التي استخدمت الخيال المستقبلي للكشف عن آثار اتساع الفجوات الطبقية وتراجع القيم، مستشرفةً واقعًا مرعبًا ليس بعيدًا عن عالمنا! تهدف هذه القراءة إلى تتبع ملامح الديستوبيا في الرواية، وتحليل شخصياتها وأفكارها ورسائلها، وإبراز علاقتها بالواقع العربي المعاصر.


الديستوبيا


“تعني الكلمة في أصلها اليوناني المكان الخبيث على عكس يوتوبيا. وفي الأدب استعمل النقاد هذا المصطلح وقصدوا به التأليف الروائي الذي يصف الحياة في مجتمع أفسدته المظاهر المادية وعصفت به النزاعات السياسية والاجتماعية السلبية، فتلاشت القيم الأخلاقية النبيلة للإنسان أمام عوامل الجشع والانحلال وآلياته”.


واستخدمت كلمة ديستوبيا لأول مرة في منتصف القرن الثامن عشر، واستخدمها الفيلسوف الإنجليزي جون ستيورات مل John Stuart Mill 1806 – 1873، ولم يشع هذا الشكل الأدبي ولكنه استخدام المصطلح لوصفه حتى وقت لاحق في القرن العشرين، كما تكمن أهمية الديستوبيا في اعتمادها على الخيال فهي نقد غير مباشر للمجتمع وللنظم المختلفة، فأدب الديستوبيا يوجّه سهام النقد إلى مواقف في العالم الواقعي بإحالتها إلى سياق غير مألوف في عالم بالغ الخيالية.


يمكن القول إن الديستوبيا الروائية هي: فكرة روائية منطلقة من الواقع المخيب لأصحابه، مستشرفة المستقبل الذي يبدو مروعًا، في مكان يتصف بالضعة والخبث، وتحمل صورة قاتمة لظواهر قائمة بالفعل، يصارع أشخاصها للهروب من واقع أليم يحاصرهم ويخنقهم، ويفشلون في الأعم الغالب في الهرب من نهايتهم المأساوية المقدّرة، فهي أساسًا محاولة لطرح تصور لأصحاب القرار للعمل على التحرك من أجل حل تلك المشكلات، التي يمكن أن تلتهم كل ما حولها إذا تركت، فالأدب الديستوبي يحمل صورة تشاؤمية دفاعية مما يشكل خطرًا على الفرد خاصة، والمجتمع الإنساني بعامة.


العناصر الفنية:


لا يختلف العمل السردي الديستوبي عن نظيره من الأعمال السردية الأخرى من حيث العناصر الفنية اللازمة لكتابة الرواية، بيد أنه يختلف في توفره على بعض العناصر في الرؤية والتوظيف، ومنها:


⦁ الخيال العلمي: ينظر النقاد ومتابعو نشأة هذا النوع من الأعمال السردية إلى وجوب تحقق مجموعة من التصورات التي تتصل بالخيال العلمي، لذا يصنفون الروايات الديستوبية على أنها من الخيال العلمي؛ لأنها قائمة على فكرة يشكلها الخيال العلمي.


⦁ الاختراعات العلمية الخيالية.


⦁ استحالة الإصلاح استحكام الفساد: إذ تقوم الرواية الديستوبية على تدمير بنية الخير والإصلاح والعودة إلى الواقع الصالح لحياة البشر، فإذا ظهر في العمل الروائي ما يمكن أن يكون بصيص أمل في التخلص من الواقع المرير، فإن هذا سيغدو إخلالا بالفكرة والمكان والحدث القائم على الوقوع تحت فكرة الفساد.
⦁ الفانتازيا المروعة: هي العجائبية والغرائبية التي تميز الأعمال الأدبية، وقد يأتي في النصوص الديستوبية ولا سيما أنها تتوفر على الخيال العلمي.


وظائف الرواية الديستوبية


⦁ الوظيفة التحذيرية: إذ يمتلك الكاتب الروائي مسألتين، هما: رحابة الرقعة المكانية، وهي رقعة تمكنه من الحركة في عالم واسع كالمدينة، أو العالم، فضلا عن رقعة الفكر الإنساني المتعلق بالخراب والدمار والواقع المرير.
⦁ الوظيفة التعبيرية: هي ما يرتبط بالوظيفة التحذيرية إلا أنه يشير إلى الرؤية التي يريد الكاتب أن يوصلها إلى المتلقين، وهو صناعة واقع ديستوبي مرير تسيطر عليه السمات غير الإنسانية، أما من الناحية الفكرية سطر المفكرون أفكارهم المفزعة عن سيطرة طبقة الأغنياء سيطرة مطلقة على واقع المجتمع.


تتميز الوظيفة التعبيرية باللغة الواقعية المباشرة التي تتناسب مع الواقع السلبي للمجتمع الواقع تحت سطوة الحياة القاسية، وأفكار المدينة الفاسدة، وحياة مجتمع الطبقة العليا من المجتمع، وبالتالي فإن الوظيفة التعبيرية تعني قدرة الرواية على إيصال الواقع الديستوبي إلى المتلقين بالوحشية التي هي عليها دون أن يجعل السارد العملية السردية تتدخل لرفع صورة الخراب عن المتلقين.


ج – الوظيفة التبشيرية: حسب وجهة نظر عبابنة يمكن أن تفسر الوظيفة التبشيرية على وجهين، هما: ما يمكن أن نستمده من المعنى الحقيقي للتبشير، وهو من البشارة والبشرى، وهو المعنى الذي يشتمل عليه المعجم اللغوي، والمعنى الثاني هو المعنى الانتقالي عن طريق المجاز، أي أن ينتقل التبشير من المعنى الإيجابي إلى السلبي، فيكون في الدلالة السلبية وذلك بالاستهزاء بالطرف الآخر، ويعد التبشير بالشر واقع الرواية الديستوبية.


لم يشتهر الأدب الديستوبي في العالم العربي كثيرًا لعدة أسباب، هي:


⦁ أحلام المثقف العربي باليوتوبيا، التي بدأت بالتبدد والاضمحلال بعد أن أثمرت جهود الثورة بخروج المستعمر.
⦁ تبدد حلم المثقف العربي بالوحدة العربية والحرية والعدالة والمساواة، وعودة الهجمة الغربية على الأمة.
⦁ زيادة الفرقة بين أبناء الأمة العربية نتيجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والطائفية.
⦁ استشراء الصراع بين المثقف والسلطة وفشل النظام الاجتماعي والسياسي العربي في الاشتمال على جانب واحد أصيل.


تحتوي المكتبة الأدبية العربية على مجموعة من الأعمال الديستوبية، منها:


⦁ يوتوبيا لـ أحمد خالد توفيق
⦁ ممر الفئران لـ أحمد خالد توفيق
⦁ باب الخروج: رسالة علي المفعمة ببهجة غير متوقعة لـ عز الدين شكري فشير
⦁ الطابور لـ بسمة عبد العزيز
⦁ الحفل الصباحي لـ محمود الورداني
⦁ حارس سطح العالم لـ بثينة العيسى
⦁ ديستوبيا لـ أشرف مصطفى توفيق


اليوتوبيا:


تعرف اليوتوبيا بأنها ضرب من التأليف الأدبي أو الفلسفي يتخيل فيه كاتبه الحياة في مجتمع مثالي لا وجود له، مجتمع يزخر بأسباب الراحة والسعادة لكل بني البشر، ويضرب هذا النوع من التأليف بجذوره إلى جمهورية أفلاطون 427 ق.م – 347 ق.م التي تقدم رؤية في السياسة والحكم ومن ثم يغلب على أعمال الأدب اليوتوبي طابع سياسي حالم بمجتمع مثالي فاضل يسعد أهله بلا استثناء، ومن هذا النوع في العربية المدينة الفاضلة للفارابي ت 339 ه – 950م. أي أن اليوتوبيا هي مكان يخلو بالضرورة من أي شر أو فساد، وتشبه في هذا المكان الحياة في الجنة التي فيها جميع أسباب الراحة وقيم الخير، وأسباب السعادة التي تجعل منه مكانًا خياليًا لا يوجد إلا في جنة الفردوس.


الرواية التي تدرسها الورقة من الأدب الديستوبي العربي هي رواية يوتوبيا للأديب أحمد خالد توفيق، والتي تقع في مئة وواحد وثمانين صفحة، وتقوم فكرة الرواية على مقارنة أو خوض فيما بين عالمين، عالم يوتوبي، مزيف، يعيش أصحابه في برج عاجي بعزلة وحماية، “وعالم الأغيار”، أي العالم الديستوبي، عالم الفقراء الذين يعيشون حياة الكفاف والجوع، إلا أن العالمين في الواقع هما من الديستوبيا، أي أن اليوتوبيا في المجتمع الذي يصوره الأديب هي ديستوبيا مرعبة، حالة من الفراغ الداخلي تسيطر على الشخصيات، وتمثلت هذه الحالة في غير شخصية، فاليوتوبيا كما سلف تعريفها هي عالم مثالي خال من الفساد ويشبه الجنة، والجنة هي المكان الذي نزعت من نفوس أهله الضغينة والكره، وسائر أشكال السوء، إلا أن هذه اليوتوبيا قامت على فساد وشر متجذر في الآباء والأبناء، فبالتالي هذا عالم فاسد سيء يقوم على التفرقة بين الغني والفقير، وسرقة الفقير ليزداد فقرًا، والنشوة من تعذيبه والاستمتاع في إيذائه، وبالتالي فالفكرة العامة هي انتقاد للمجتمع، وتوقع لزيادة السوء من خلال اضمحلال الطبقة الوسطى في المجتمع المصري ليزداد الفقير فقرًا والغني غنًا، وبالتالي زيادة الفجوة بين أبناء المجتمع وزيادة البؤس.


إن يوتوبيا رواية ديستوبية ساخرة مستشرفة المستقبل القريب لا البعيد، عام 2023م كما ذكرت الرواية التي كتبت عام 2008م، المستقبل الذي له تباشير كثيرة نتيجة للواقع المؤلم، وذلك حقيقي نسبيًا فالتضخم، وانخفاض القيمة السوقية للجنية مقابل الدولار، وزيادة نسب البطالة وبالتالي الجريمة والاغتصاب، وتفشي الأمراض والجهل، كلها تؤدي إلى نهاية مأساوية كما تتوقع الرواية وذلك ما يشير إليه المؤلف في تقديمه للرواية “يوتوبيا المذكورة هنا موضوع تخيلي… وإن كان المؤلف يدرك يقينًا أن هذا المكان سيكون موجودًا عما قريب” وبالتالي فإن الرواية ساخرة من جهة، ومن جهة أخرى محاولة لإيقاظ المجتمع الغافل الذي يسير إلى نهايته بسرعة كبيرة.


شخصيات الرواية


تدور أحداث الرواية حول شخصيتين رئيسيتين، هما: علاء، وجابر، إذ يمثل كل واحد منهما نموذجًا وصوتًا لطبقة مختلفة من طبقات عالم يوتوبيا:


⦁ علاء: يمثل الشخصية الملولة المتمردة المتكبرة والتي تحمل في جنباتها جزءًا ساديًا متعاليًا، يحب ذاته وعالمه البرجوازي الوهمي، ويسعى للبحث عن نشوة جديدة وتجربة جديدة من خلال عملية “اصطياد” لشخص من “الأغيار”، فعلاء يمثل شباب مدينة يوتوبيا المتعالي المدمن الذي غمس في الشهوات والمساوئ حتى الثمالة، ويمثل بجانب آخر شخصية “المثقف” أو شبه المثقف الذي قرأ العديد من الكتب دون أن تترك في نفسه أثرًا أو تهذب من سلوكه السادي العدواني اتجاه كل ما يقع تحت يده، فهو لا يأبه بأحدٍ ولا يحترم أحدًا، ويبحث دومًا عن طريقة لملء الفراغ في داخله من خلال الأذية والتمرد، مارس كل ما يمكن أن يمارسه إنسان من رذيلة، وتبقى التسلية بشخص من الأغيار ثم قتله والاحتفاظ بتذكار “صرنا نعتبر الصيد نوعًا من اختبارات الرجولة… كل واحد من أصدقائي قام يومًا ما بهذه الرياضة:

رياضة صيد الأغيار، وعاد منها بتذكار ثمين يريه لأمثالي..”، ويمكن استشفاف جوانب شخصيته من خلال دراسة سيميائية بسيطة للمصطلحات والتعبيرات التي يستخدمها، ومن خلال سلوكه الشخصي، وعدم إيمانه بأي آلهة، واستخدامه أساليب شيطانية ليجذب الانتباه، وإرضاء لغروره قام باغتصاب صفية الفتاة المسكينة النقية وذلك ليجد صورة نصر وفخر يعرضها بتباه زائف أمام أقرانه في يوتوبيا؛ لسذاجته ومشاعر الكره التي تغلف روحه، فهو يغتصب مجتمعًا كاملًا، ومعتقدات راسخة، يستهزء بالاحتشام، والفقر، والضعف، والجوع، والجهل، بطريقة وحشية متعالية، تمثل إساءته لمن أحسن إليه، وعدم حفظه للجميل.


⦁ جابر: تمثل شخصية جابر العالم الآخر “الأغيار”، عالم الفقر والجوع، عالم القهر والظلم، أو من منظور أهل يوتوبيا، عالم العبيد المستضعفين الذين يتم تجفيف عروقهم ببطء حتى النهاية، لكن من ناحية أخرى جابر يمثل البذرة الطبية الموجودة في قلوب الفقراء المسحوقين، تلك الروح القوية في جسد ضعيف هزيل قهره الظلم، وسحقه الألم الروحي والجسدي، إلا أنه رحيم، عطوف، وظهر ذلك من حبه لأخته وحمايته لها في عالم ديستوبي يستغل فيه كل شخص أهل بيته، إلا أن جابر حافظ على أخته الصغيرة في قصر قذر متواضع، بل هو غرفة هزيلة، وتمثل سمو روحه من خلال تمنعه عن ممارسة الجنس مع جرمينال، الفتاة القادمة من يوتوبيا للصيد، حين رأى فيها صورة أخته صفية، كما تظهر صفاته الحميدة من خلال محاولته لرفض زهق الأرواح وحمايته لأبناء يوتوبيا رغم معرفته بما يكنوه له من حقد وكره، حتى بدا ساذجًا يقدم كل ما يملك من وقت، وطعام، ومال؛ لحماية علاء وصديقته الذين غدرا به، حين اغتصب علاء أخته، وحين قتله غدرًا واحتفظ بيده كتذكار.


إن سذاجة جابر أودت بحياته، ومن جانب أعمق تمثل صفات جابر وطيبته سبب النهاية الذي أدى به إلى الموت، فكل شخص أقل يشعر بالتعالي وبنشوة نصر حين يكون الطرف الأقوى في معادلة ما لبعض الوقت، رغم علمه بالنهاية، إلا أنه قدم كل ما يملك لمساعدة وحوش بشرية يعلم مبتغاها وذلك لسذاجة تمثل الطبقة الفقيرة وأحد أسباب ضعفها وتبعيتها، وتفوق الآخرين عليها، لتقديمها نفسها دون مقابل.


فكرة الرواية ورسالتها


العمل الأدبي يمثل رسالة تشغل بال الأديب يريد عرضها وتقديمها للعالم بطريقة فنية، ولكل رسالة فكرة تحملها، ورواية يوتوبيا تمثل جانبًا فكريًا عميقًا، إذ بدى واضحًا أن الرواية تمثل الأدب الديستوبي، الذي يستشرف المستقبل متوقعًا الأسوأ، وكانت الفكرة في الرواية هي محاولة تغيير الواقع الذي سيؤول في النهاية إلى سحق الضعفاء، وزيادة الأقوياء غنًا واستضعافًا للفقراء، نتيجة للفروقات الطبقية والتي تودي بالمجتمع إلى الهاوية، إذ تتمثل رؤية الأديب بأن المستقبل سيء فالأمور تخرج عن السطيرة، وبالتالي يمكن اعتبار الرواية تحذيرًا ومحاولة انتقاد للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر التي يستحكم القبضة على زمام أمورها مجموعة ترى في نفسها طبقة أرقى من الأغلبية، طبقة تخلت عن القيم والأخلاق، وتمسكت بالجانب الشكلي نتيجة لفراغ داخلي تعيشه لفقدها الثوابت والقيم، ونتيجة قوة هذه الطبقة وانشقاقها عن المجتمع، تزداد الطبقة الفقيرة فقرًا حتى ينتهي بها الأمر للبحث عن الكلاب الضالة لشواء لحمها، نتيجة الفقر والتضخم، وهذا واقع تعيشه مصر اليوم وبالتالي فإن الديستوبيا التي توقعها أحمد خالد توفيق هي الواقع.
فالفكرة تمثل صفعة لكل غافل، علّ الألم الذي يملأ جنبات الرواية يؤدي غايته ويعمل على تحسين وتبديل الوضع الراهن في مصر، قبل أن تصبح “يوتوبيا” أحمد خالد توفيق، وفي النهاية حرب أهلية.


اللغة والتعبير الفني


تسيطر اللغة الطبية على لغة الرواية إذ يكثر في الرواية ذكر أسماء الأدوية والهرمونات والعقاقير المهلوسة، إذ أن هذا يمثل سيطرة لغة تخصص الرواية كما أن اللغة في الرواية كانت لغة واصفة في غالبها، ولغة تقريرية صحفية وإحصائية مختصة ودقيقة في مرات أخرى، وذلك نتيجة لتعدد الموضوعات واتصالها بواقع المجتمع المعيش، كما أن استخدام افتتاحيات مكونة من كلمات أغانٍ تمثل الثقافة الشعبية لكلا المجتمعين تعطي جانبًا شعريًا يحمل ومضات دالة، ويمكن الانتقال إلى تعدد الأصوات في الرواية الذي قدم وجهات نظر متغايرة وبالتالي أسلوبين لغويين واستخدامات لغوية متباينة بتباين ثقافة أصحابها ومعرفتهم، وثقافتهم، فكانت لغة الرواية متعددة المستويات ومتباينة تبعًا للموضوعات وللصوت المتحدث.


يقع في الرواية جانب من الخيال العلمي، وهو كما سبقت الإشارة أحد أساليب الرواية الديستوبية، إذ تم في الرواية استبدال البترول باختراع جديد هو البايرول والذي أدى لاختلال موازين القوى في العالم، وتغير الحاجات، والمادة المخدرة الفلوجستين التي يتم تقطيرها على الجلد وتؤدي بصاحبها لرؤية نار خضراء، كما أن النفق الذي يربط بين شبرا ويوتوبيا يمثل خيالًا وذلك لأن الزمن والمسافة فيه يبتعدان عن المنطقية، فهو قصير وسريع إلا أن المسافة فوق سطح الأرض أبعد بكثير مما بدت عليه في النفق مما يجعله جزءًا من الخيال العلمي.


تثبت رواية «يوتوبيا» أن الأدب الديستوبي عودة إلى الواقع عبر مرآة مكبرة تكشف ما يتجاهله الناس في زحمة الحياة اليومية، فالعالم الذي صوره أحمد خالد توفيق، وإن بدا متخيلًا، يحمل جذورًا في واقع اجتماعي واقتصادي يسير مسرعًا نحو تعميق الهوة بين الطبقات، وتهشيم الإنسان في داخله، وتهميشه، وقدمت الرواية تحذيرًا مبكرًا من مجتمع ينهار فيه التضامن، وتمحى فيه الطبقة الوسطى، التي تعتبر ركيزة استقرار المجتمع، ويصبح العنف وسيلة لإثبات الوجود في عالم بلا قيم، واليوم، بعد سنوات من صدور الرواية، يبدو كثير من توقعاتها أقرب إلى الواقع، ما يجعل إعادة قراءتها ضرورة لفهم ما آل إليه المشهد، وللتفكير في إمكانية تجنب المصير الديستوبي الذي رسمه الكاتب، فيوتوبيا جرس إنذار ما زال يرن في أذهان قرائها.

شاهد أيضاً

غرفة العمليات الحكومية ت

غرفة العمليات الحكومية تستعرض الخطة التنفيذية للإغاثة والتعافي المبكر لقطاع الحكم المحلي في غزة

شفا – استعرضت غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في المحافظات الجنوبية، اليوم الأربعاء، الخطة التنفيذية …