5:04 مساءً / 10 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

النجاة النفسية حين يختار العقل البقاء رغم كل شيء ، بقلم : هنادي طلال الدنف

النجاة النفسية حين يختار العقل البقاء رغم كل شيء

النجاة النفسية حين يختار العقل البقاء رغم كل شيء ، بقلم : هنادي طلال الدنف

وسط الدمار الخارجي، هناك معركة صامتة تدور داخل كل ناجٍ؛ معركة لا تُرى، لكنها تستهلك من الإنسان ما لا يستهلكه الخوف نفسه.

النجاة ليست دائمًا أن نخرج من الحرب أو الأزمة أحياء، فهناك نوع آخر من النجاة يحدث بهدوء داخل النفس. أحيانًا تكون النجاة أن نستيقظ في اليوم التالي رغم أننا لا نملك طاقة، أن نرتب الفراش، أن نخرج إلى الشارع، أو حتى أن نأكل رغم أن كل شيء في داخلنا توقف.

النجاة النفسية (Psychological Survival) لا تعني أننا بخير، بل أننا نحاول أن نكون بخير، رغم أن داخلنا ما زال مثقلًا بالألم. في علم النفس، يُستخدم هذا المصطلح لوصف قدرة الإنسان على التكيّف العقلي والعاطفي بعد المرور بتجارب قاسية أو صدمات شديدة. هي ليست شفاءً تامًا، بل مرحلة بين الانهيار والتعافي، حيث يحاول العقل أن يحمي نفسه بما تبقّى من قوة.

في هذه المرحلة، لا يعيش الإنسان حياته كما كانت، بل يعيش نسخة مؤقتة منها، مليئة بالصمت، مؤجلة التفاصيل. لكنه مع ذلك يواصل، لأن الرغبة في البقاء أقوى من التعب.

بعد التجارب القاسية، يتغير عمل الجهاز العصبي. يبقى الجسم في حالة “تأهب” وكأنه ينتظر خطرًا جديدًا، حتى لو انتهى كل شيء من الخارج. لذلك يشعر كثيرون بتوتر دائم، أو صعوبة في النوم، أو حتى فقدان الذاكرة الجزئي. وفي محاولة لحماية النفس، يبدأ الإنسان بالإنكار أو التجنب، فيقول مثلًا: “أنا تمام” أو “ما بدي أحكي عن اللي صار”. ورغم أن هذه العبارات تبدو كإنكار، إلا أنها في الواقع آليات دفاع مؤقتة، يستخدمها العقل ليخفف الصدمة حتى يكون مستعدًا لمواجهتها لاحقًا.

كثيرون يمرون أيضًا بمرحلة من الجمود العاطفي، وهي حالة يفقد فيها الشخص إحساسه بالمشاعر، فلا حزن ولا فرح. لكنها ليست فراغًا، بل وسيلة دفاعية من الدماغ لتجنّب الانهيار الكامل. ومع الوقت، تبدأ المشاعر بالعودة تدريجيًا، وغالبًا ما تكون العودة مؤلمة لأنها تذكّر الشخص بما حاول نسيانه. لكنها أيضًا دليل على أن التعافي بدأ، وأن النفس تحاول استعادة توازنها.

النجاة النفسية لا تكون دائمًا واضحة أو ظاهرة.
هي في الأم التي تبتسم لأطفالها رغم أن قلبها يئن،
وفي الرجل الذي يذهب إلى عمله وهو يشعر أنه فقد طاقته للحياة،
وفي الشابة التي تضحك مع أصدقائها بينما داخلها صمت ثقيل.
هؤلاء لا يعيشون بخفة، بل بإصرار. اختاروا أن يتنفسوا حتى عندما أصبح التنفس نفسه مجهودًا.

ومع مرور الوقت، يحاول العقل العودة تدريجيًا إلى الحياة، لكن العودة لا تكون سهلة، لأن الذاكرة الصادمة تبقى نشطة أحيانًا. بعض الأصوات أو الروائح أو المواقف الصغيرة قد تعيد الشخص إلى لحظة الألم. وهنا تظهر أهمية الدعم النفسي، ليس لأنه يُزيل الألم تمامًا، بل لأنه يساعد الإنسان على أن يعيش مع ألمه دون أن يغرق فيه.

الدعم لا يمحو الماضي، لكنه يخفف ثقله، ويمنح الإنسان مساحة آمنة ليتنفس من جديد.
النجاة النفسية ليست ضعفًا، بل شكل من أشكال القوة الخفية.
هي الطريقة التي يخترعها الإنسان ليبقى حاضرًا في عالم تغيّر أمامه.
ليست حياة مثالية، لكنها حياة ممكنة وهذا وحده شكل من أشكال المعجزة.

شاهد أيضاً

بحضور د. مجدلاني وسفير الصين جمعية تطوع للأمل الخيرية تطلق مشروع رواد الغد

بحضور د. مجدلاني وسفير الصين جمعية تطوع للأمل الخيرية تطلق مشروع رواد الغد

سيلفيا أبو لبن : نُشعل شعلة الأمل والطموح والفرص أمام جيلٍ جديد من الشباب لتمكينهم …