
أدوات المحاسب لم تعد كافية : كيف نُدخل الذكاء التحليلي إلى التدقيق في فلسطين ؟ بقلم : موسى ابو زر و يسرى مقني الفراتي
من التوثيق إلى التنبؤ… التدقيق يحتاج إلى قفزة نوعية
الباحث موسى ابو زر- فلسطين
الدكتورة يسرى مقني الفراتي – تونس
في عالم تتسارع فيه المخاطر وتتعقّد فيه المعاملات المالية، لم يعد كافياً أن يقوم المحاسب أو المدقق المالي بمراجعة الوثائق والفواتير، أو التحقق من توازن الحسابات فقط، لقد أصبحت أدوات التحليل المالي الحديثة ضرورة لا غنى عنها لأي مدقق يسعى إلى القيام بدورٍ استباقي يحمي الشركات من الفشل، ويكشف عن المخاطر قبل أن تتحوّل إلى أزمات.
في السياق الفلسطيني، ومع ضعف الاستقرار الاقتصادي، تبرز الحاجة الماسّة لتطوير مهنة التدقيق من نموذجها التقليدي إلى نموذج تحليلي استباقي، يعتمد على النسب والمؤشرات والبيانات غير المالية، ويُسهم في صنع القرار لا الاكتفاء بتوثيقه.
من الدفاتر إلى البيانات
الممارسات التقليدية للتدقيق المالي ما زالت تعتمد بشكل كبير على الفحص اليدوي للوثائق والتحقق من صحة القيد المحاسبي.
لكن هذا المنهج لا يستطيع كشف التحولات العميقة التي تحدث في هيكل الشركة المالي، ولا يستشرف المخاطر المستقبلية، خصوصًا في القطاعات الحساسة كالعقارات، والخدمات، والصناعات الصغيرة.
المطلوب اليوم هو تحليل النسب المالية الرئيسية (كالسيولة، والربحية، والمخاطر) بشكل دوري، وربطها بأدوات مراقبة الأداء الاستراتيجي، بما يتيح بناء صورة متكاملة عن الاتجاهات المستقبلية للشركة.
الذكاء التحليلي… لا مجرد حفظ المعايير
أدوات الذكاء التحليلي لم تعد حكراً على شركات التكنولوجيا، بل أصبحت جزءاً من عمل المدقق المحترف. وتشمل هذه الأدوات:
⦁ تحليل الاتجاهات التاريخية لمؤشرات الأداء المالي.
⦁ تتبع الانحرافات غير المبررة في الموازنات التقديرية.
⦁ دمج البيانات غير المالية (مثل معدل دوران العمالة، تغيرات السوق، أو شكاوى الزبائن) في التقييم المالي.
⦁ استخدام برمجيات تدقيق متقدمة لتحديد الأنماط غير الطبيعية في المعاملات.
وبهذا، يصبح دور المدقق ليس فقط تأكيد صحة الرقم، بل فهم أسبابه، وتحليل مساره، وتوقع تأثيره المستقبلي.
لماذا نحتاج هذا التحوّل في فلسطين؟
في السوق الفلسطيني، الذي يعاني من الاحتلال والتضييق والموارد المحدودة، تصبح أي خسارة مالية بمثابة خطر مضاعف، وقد أظهرت الدراسات الأكاديمية أن الفشل المالي في عدد من الشركات المدرجة في بورصة فلسطين كان من الممكن التنبؤ به مبكراً، لو تم استخدام أدوات تحليل متقدمة تربط بين التغيرات في البيانات والمؤشرات التحذيرية، لكن غياب هذه الأدوات، والاكتفاء بالتدقيق التقليدي، حرم الشركات من فرصة معالجة الخلل في بداياته، وأدى إلى تكرار الأزمات دون سابق إنذار.
من أين نبدأ؟
للانتقال من التدقيق التقليدي إلى التدقيق التحليلي، يجب:
⦁ تحديث برامج التدريب المهني للمحاسبين والمدققين لتشمل التحليل المالي، والتفكير النقدي، وأدوات البرمجة البسيطة.
⦁ إدماج مؤشرات الأداء الرئيسية ضمن تقارير التدقيق الداخلي والخارجي.
⦁ تفعيل دور مجالس الإدارة في استخدام تقارير التدقيق لاتخاذ قرارات استراتيجية، وليس فقط لتبرير الامتثال.
⦁ إتاحة الوصول إلى بيانات دقيقة وفورية داخل المؤسسات، وربطها بنظام معلومات محاسبي متكامل.
التدقيق لم يعد ورقة تُوقّع
في عصر البيانات، لم يعد المدقق الخارجي مجرّد جهة تكتب ملاحظات على دفتر الحسابات، بل عين ثاقبة ترى ما وراء الأرقام، وعلى المؤسسات، إن أرادت حماية شركاتها واقتصادها الناشئ، أن تستثمر في تطوير أدوات التدقيق، لأن الفهم المالي العميق… هو أساس الاستدامة، ومفتاح النجاة من الفشل القادم.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .