1:39 مساءً / 14 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

بلاغة السلام وفراغ العدالة ، من الكنيست إلى شرم الشيخ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

بلاغة السلام وفراغ العدالة ، من الكنيست إلى شرم الشيخ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

حين وقف دونالد ترامب في الكنيست الإسرائيلي، لم يكن يعلن سياسةً جديدة بقدر ما كان يُكرّس فلسفة “السلام بالقوة” بوصفها المرجعية الجديدة للنظام الدولي. كان الخطاب آنذاك أكثر من تحية لإسرائيل؛ كان إعادة ترسيم للمعنى السياسي للسلام، بحيث يُعاد تعريفه وفق منطق الهيمنة لا وفق منطق العدالة. لقد قدّم ترامب نموذجاً لسلامٍ يُكتب من موقع القوة، لا من ضمير التاريخ، ومن منظور السيطرة لا من وجدان الحق.

في ذلك المشهد، تحوّل الحق الفلسطيني من قضية تحرر إلى قضية إدارة نزاع، وتحوّل الفلسطيني في سردية الخطاب الأميركي من صاحب حق إلى طرفٍ “قابل للتأهيل السياسي”. وهكذا أُزيحت الأسئلة الكبرى عن الاحتلال، والكرامة، والسيادة، لصالح مفردات أكثر تهذيباً: الأمن، والاستقرار، والتعاون الإقليمي. بدا الأمر كما لو أن التاريخ يُعاد كتابته بلغةٍ ناعمة تخفي تحتها خشونة القوة.

وما جرى لاحقاً في شرم الشيخ لم يكن استمراراً لمسار سلامٍ، بل استكمالاً لتطبيع البلاغة السياسية ذاتها. فـ “إعلان ترامب من أجل السلام والازدهار الدائم” لم يحمل في جوهره أي التزامٍ بحق الفلسطينيين، ولا ضمانة لانسحابٍ أو حمايةٍ أو تقرير مصير. كان نصاً يُقدّم صراعاً تاريخياً على أنه سوء تفاهمٍ قابل للحل بالتسامح، متجاهلاً الجذر الاستعماري للاحتلال ذاته.

لقد جاء الإعلان محمولاً على لغةٍ مصقولة تُعيد إنتاج الهيمنة بعباراتٍ عن الكرامة والأمل، وتحوّل المأساة إلى مشهدٍ احتفاليٍّ للتطبيع الأخلاقي مع الاحتلال. وهكذا يصبح “السلام” مجرد ديكور لغوي يخفي فراغ العدالة، وغطاءً جديداً لاستمرار القهر باسم الازدهار المشترك.

إن ما جمع بين خطابي الكنيست وشرم الشيخ ليس الموقع ولا المناسبة، بل المعنى السياسي الجديد للسلام: أن يُفرّغ من مضمونه الأخلاقي والحقوقي ليغدو أداةً لإدارة الواقع لا تغييره. لقد تحوّل الخطاب من وعدٍ بإنهاء الصراع إلى إدارةٍ دائمةٍ له، ومن التزامٍ بالعدالة إلى استثمارٍ في الاستقرار.

في هذا التحول تتجلى المأساة الأعمق: أن القضية الفلسطينية لم تعد تُناقش بوصفها حقاً منتهكا، بل “ملفاً قابلاً للترتيب”، وأن العدالة صارت غائبة في زمنٍ يُحتفى فيه بالسلام كلغةٍ بلا مضمون. وهكذا، يصبح مصير القضية الفلسطينية معلقاً بين بلاغة تُحسن الإخفاء، ونظامٍ دوليٍّ يبرع في تجميل اللامساواة.

في نهاية هذا المشهد، يبدو “الحق” الفلسطيني كنجمةٍ بعيدةٍ في سماءٍ تزدحم بالأنوار المصطنعة؛ يراه الجميع، لكن قلّ من يهتدي به. فكلما ازدادت البيانات عن السلام ازداد الصمت عن العدالة، وكلما تجمّلت الخطابات بالمفردات الإنسانية ازداد الواقع قسوةً وتجريدًا من المعنى. لقد غدا السلام خطابًا بلا روح، يُتلى في القاعات المكيّفة بينما تتساقط البيوت في الصمت. ومع ذلك، يظلّ الحقّ – في جوهره – لا يُمحى، لأن القضايا العادلة لا تموت بانطفاء لغتها، بل تعود كلما أُعيد طرح السؤال الأول: من يملك الأرض؟ ومن يكتب التاريخ؟

شاهد أيضاً

التوجيه السياسي يشارك لجنة العلاقات العامة للأجهزة الأمنية في موسم ‏قطف الزيتون في كفر قدوم

التوجيه السياسي يشارك لجنة العلاقات العامة للأجهزة الأمنية في موسم ‏قطف الزيتون في كفر قدوم

شفا – شاركت مديرية التوجيه السياسي والوطني لمحافظة ‏قلقيلية، من خلال لجنة العلاقات العامة للأجهزة …