
خطة ترامب الجديدة ، محاولة أستثمار أميركي أمام العزلة إلأسرائيلية والمشهد الفلسطيني ، بقلم : مروان إميل طوباسي
بعد مرور عامين على العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، والذي لم يكن حربا بين جيشين بل عدوان إبادة جماعية وتطهير عرقي وتهجير قسري . تعود الإدارة الأميركية، بقيادة ترامب ، إلى طرح خطة جديدة تتعلق بغزة والمنطقة في نسخة معدلة او ثانية من خطة صفقة القرن ، محاولةً استثمار التحولات الدولية الجارية ومشهد العزلة الذي يزداد حول إسرائيل والولايات المتحدة . الا ان السؤال الجوهري الذي يواجهنا اليوم هو ، كيف يمكن لنا نحن الفلسطينيين أن نوظف هذه التحولات لمصلحتنا الوطنية ؟
إن الخطة الأميركية الجديدة لا تختلف في جوهرها عن سابقتها ، فهي تعيد إنتاج المشروع الاستعماري نفسه ، لكن بلغة أكثر مواربة ، وتحت غطاء “الواقعية السياسية” و”الترتيبات الأمنية والاقتصادية”. ومع ذلك ، فإن توقيتها والسياق المحيط بها يكشفان عن أهداف أعمق تتجاوز غزة إلى إعادة هندسة وتشكيل الإقليم برمّته ، ضمن نظام سلاسل الطاقة والغاز والمال والممرات المائية والنفوذ بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية في شرق المتوسط .
ومع غياب أي إشارة واضحة في الخطة إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أو إلى إنهاء الأحتلال وتجسيد الدولة على حدود ما قبل الرابع من حزيران ١٩٦٧ ، فإنها تؤكد مجددًا الرغبة الأميركية في استثمار الواقع القائم لصالح مشروع السيطرة الكولونيالية ، وليس لصالح تسوية عادلة أو سلام حقيقي .
لكن ما يدفع واشنطن اليوم لترويج هذا الطرح لا يقتصر على الأهداف الاقتصادية والسياسية فحسب ، بل يرتبط أيضا بجملة من العوامل الدولية والشعبية المتداخلة وأهمها :
١. التحولات في النظام الدولي وصعود أقطاب جديدة تقلّص من قدرة الولايات المتحدة على الانفراد بالقرار .
٢.الابتعاد الأوروبي التدريجي عن الموقف الأميركي بعد انكشاف حجم الجرائم الإسرائيلية في غزة وتآكل الرواية الإسرائيلية القديمة والمعتادة .
٣. اتساع الحراك الشعبي العالمي غير المسبوق المتضامن مع حرية فلسطين، والذي فرض نقلة نوعية في وعي الرأي العام الغربي .
٤. رغبة ترامب الشخصية في الظهور كصانع سلام وسعيه الرمزي نحو جائزة نوبل ومحاولتة استعادة مكانة الولايات المتحدة الأخلاقية في اطار الهيمنة وانقاذ اسرائيل .
٥. صمود شعبنا الأسطوري رغم التضحيات المؤلمة امام الة الحرب الاسراىيلية بالشراكة مع الولايات المتحدة كطرف في هذا الصراع لتقويض المشروع الوطني الفلسطيني .
كل ذلك يجري في ظل عزلة أميركية – إسرائيلية متنامية على مستوياتها المحلية والدولية ، ما يجعل هذه الخطة محاولة للخروج من مأزق سياسي وأخلاقي” أكثر منها مشروعاً للحل” . رغم ذلك ، فان اهمية الدخول عبر ممرات سياسية ودبلوماسية متاحة ، كبدء المفاوضات بين حماس وإسرائيل عبر الوسطاء مصر وقطر وتركيا الذين تنامت أدورهم اليوم في مسار خارطة الشرق أوسط الجديد ، هي مسألة واقعية هامة في محاولة لوقف الإبادة والتي تشكل لنا كفلسطنين أولوية وطنية وانسانية عاجلة ، رغم ان ما تم الإتفاق عليه بخصوص الية المفاوضات تنحصر حتى اليوم في مسألتين تتعلق بصفقة الأسرى و”الرهائن” وخريطة الأنسحاب الجزئي من غزة ، الأمر الذي لا يضمن توقف المقتله بعد انجاز الأمرين او احدهما ومن ثم العودة اليها دون قيمة الضمانات الأمريكية المعلنة والتي أثبت التاريخ السياسي عدم مصداقيتها حتى مؤخرا في لبنان .
وفي المقابل ، تشهد الساحة الإسرائيلية نقاشات عميقة عبرت عنها مجموعة من المقالات التي نُشرت مؤخرا في الصحف الإسرائيلية الكبرى ، كشفت بدورها عن حجم القلق والانقسام الداخلي .
ففي صحيفة هآرتس كتب بعض المحللين عن تآكل الردع الإسرائيلي وفقدان الثقة بالقيادة السياسية وبنتنياهو ، بينما حاولت مقالات في معاريف الترويج لفكرة أن العدوان ضرورة وجودية لإسرائيل رغم ثمنه الأخلاقي الباهظ .
أما الكاتب والمحلل السياسي “رابوبورت” فقدم قراءة مختلفة في موقع اعلامي ، إذ أشار إلى أن إسرائيل باتت تعيش مأزقا تاريخيا مزدوجا يتمثل في فقدان الشرعية الدولية وتفكك التماسك الداخلي ، مؤكدا أن استمرار الحكومة الحالية في سياساتها العدوانية لن يقود إلا إلى عزلة أعمق وتآكل داخلي متسارع .
هذه المقالات تكشف عن تحول في المزاج العام داخل إسرائيل نفسها ، وعن إدراك متزايد بأن العالم لم يعد يبتلع رواياتها المعتادة كما كان في السابق ، الأمر الذي يعزز أهمية أن يكون الموقف الفلسطيني حاضراً وفاعلاً في توظيف هذا التحول ، لا أن يكتفي بالمراقبة أو بردة الفعل .
ولذلك فان المطلوب اليوم فلسطينيا ,
أولًا : موقف وطني واسع وموحد من هذه الخطة الأميركية مبني على ارادة سياسية مستقلة ، بسقف لا يقل عن ما طرحه الخبراء الدوليون التابعين للأمم المتحدة في تقريرهم الذي صدر يوم أمس حول خطة ترامب ، وبما لم يأتي بها حول حق تقرير المصير وإنهاء الأحتلال وتجسيد الدولة المستقلة ذات السيادة الوطنية ، واستكمال محاسبة دولة الأحتلال عن فظائع جرائمها امام القضاء الدولي الذي اكد عليه هؤلاء الخبراء ، والذين شددوا عن أملهم في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، لكنهم حذروا من أن أي خطة سلام يجب أن تضمن بشكل مطلق حقوق الإنسان للفلسطينيين، وألا تُنتج مزيدا من شروط القهر والاضطهاد .
كما أكدوا أن عناصر أساسية في الخطة تتعارض بعمق مع القواعد الجوهرية للقانون الدولي ، ومع الرأي الأستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام ٢٠٢٤ ، الذي طالب إسرائيل بإنهاء وجودها الأحتلالي غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
ثانياً : بناء رؤية سياسية مقاومة ومتكاملة وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، لمواجهة أهداف الخطة وسياسات الأحتلال ، من خلال تجديد أدوات النضال السياسي والدبلوماسي والشعبي والقانوني ، والانفتاح على التحولات الدولية الجارية لصعود الشرق والجنوب العالمي بما يخدم المشروع الوطني التحرري .
ثالثاً : لا يمكن تحقيق ذلك دون تجديد الشرعية الفلسطينية بعد ان كانت تعتمد على الواقع الثوري ، عبر انتخابات برلمانية/ تشريعية ورئاسية لكافة المؤسسات في المنظمة والدولة ، لتضمن أصول الرقابة والمحاسبة وتعيد الثقة بمكانة ودور منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد امام العالم وامام شعبنا الذي بات ينتبه للتفاصيل ، والتي يتطلب واقعها آليات الأستنهاض والإصلاح وتكريس واقعها كجبهة وطنية عريضة تضم الكل الفلسطيني ، وبالمؤسسات الوطنية ، لتحاصر الفساد المتزايد ، وتضمن تمثيلاً ديمقراطياً يعيد للقضية زخمها السياسي والأخلاقي والقانوني وفق سرديتنا التاريخية امام العالم وشعوبه وحتى أمام الأصدقاء الذين يجب أن ندرك أهمية التحالفات معهم في مواجهة الاصرار الامريكي على محاولات تجميد مسار التاريخ بواقع الهيمنة والغطرسة .
إن المشهد الدولي والإقليمي الراهن، رغم تعقيداته ، يمنحنا نحن الفلسطينيين فرصة جديدة إن أحسنا توظيفها بتوحيد موقف عقلاني سياسي مقاوم موحد ، بعد ضرورات المراجعة النقدية لمسار الحركة الوطنية الفلسطينية للوصول الى رؤية وبرنامج متكامل وأدوات نخاطب العالم به ونحشد التأييد العربي والإقليمي والإسلامي والدولي حوله . فالعدوان الإسرائيلي ومحرقة القرن ٢١ المتواصلة والجرائم الموثقة دوليا في غزة والضفة ، إلى جانب اتساع التضامن العالمي ، كلها تُشكل بيئة يمكن البناء عليها لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري ومعالجة ازمة نظامنا السياسي من خلال الحوار الوطني الواسع والعاجل الذي يتوجب على الأخ أبو مازن كرئيس للدولة والمنظمة الدعوة له ، لا أطراف خارجية رغم التقدير لدور وحرص الدول الشقيقة ، والأتفاق عن الاعلان سريعا عن حكومة توافق وطني بعيدا عن اية إملاءات خارجية بل سندا للقرار الوطني المستقل والمصلحة الوطنية ، شرط أن تكون هناك إرادة سياسية موحدة وشجاعة قادرة على تحويل العزلة الأميركية–الإسرائيلية إلى رافعة للتحرر الوطني الديمقراطي ، لا إلى فصل جديد من الأنتظار .
فهذه لحظة تستحق أن نكون فيها جميعا بحجم الوطن ، لا بحجم الفصائل والمصالح . لحظة تستدعي منا مواكبة تضحيات شعبنا ومغادرة اشكال الترهل وأزمة نظامنا السياسي ومسبباتها