3:13 مساءً / 7 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

القدس بعد عامين من الحرب على غزة ، تصعيد غير مسبوق يطال الإنسان والمكان ، بقلم : معروف الرفاعي

القدس بعد عامين من الحرب على غزة: تصعيد غير مسبوق يطال الإنسان والمكان ، بقلم : معروف الرفاعي

مرّ عامان على اندلاع العدوان الاسرائيلي وحرب الابادة الجماعية على قطاع غزة، وهي حرب لم تقتصر على جغرافيا القطاع فحسب، بل امتدت آثارها إلى مدينة القدس التي تحولت إلى ساحة مفتوحة للعقاب الجماعي، في محاولة لإخماد روح الصمود والهوية الوطنية فيها.


تُظهر الإحصاءات الصادرة عن محافظة القدس حتى الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025 صورة قاتمة لما يعيشه المقدسيون: 97 شهيدًا، 2688 حالة اعتقال، 742 عملية هدم وتجريف، 122,784 مستوطنًا اقتحموا المسجد الأقصى، 491 إصابة بالرصاص الحي والمطاطي، 171 قرارًا بالحبس المنزلي، و303 قرارات إبعاد عن المدينة أو المسجد الأقصى.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل شهادة على مرحلة من التصعيد الممنهج الذي يستهدف الإنسان والمكان في القدس، في ظل صمت دولي مخزٍ، وعجز عربي وإسلامي واضح.


أولًا: القدس في مرمى سياسة العقاب الجماعي


تزامنت الحرب على غزة مع تشديد غير مسبوق للإجراءات الأمنية والعقابية في القدس، ضمن سياسة تقوم على الربط الأمني والسياسي بين الجبهتين.


تتعامل سلطات الاحتلال مع سكان القدس كجزء من “البيئة الحاضنة للمقاومة”، ففرضت عقوبات جماعية شملت الاعتقالات اليومية، والاقتحامات الليلية، ومصادرة الممتلكات، وهدم المنازل على خلفية عقابية.


الهدم، الذي بلغ 742 عملية، لم يكن مجرد إجراء إداري، بل أداة لاقتلاع الوجود الفلسطيني من أحياء مثل سلوان، جبل المكبر، العيسوية، والطور. وترافق ذلك مع سياسة الإبعاد القسري عن المسجد الأقصى، الذي تجاوز عدد قراراته 303 حالة خلال عامين.


ثانيًا: الأقصى تحت الحصار الديني والسياسي


منذ السابع من أكتوبر 2023، تحوّل المسجد الأقصى إلى ساحة مركزية للصراع، حيث اقتحم أكثر من 122 ألف مستوطن باحاته تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال، في مشهد يعكس محاولة فرض “سيادة يهودية رمزية” على المكان.
يتزامن ذلك مع إبعاد العشرات من شيوخ وأئمة وحراس الأقصى والمرابطين والنساء، بهدف إفراغ المسجد من حضوره الإسلامي والشعبي، وتهيئة الأجواء لتقسيمه الزماني والمكاني.


هذه الانتهاكات تشكّل جريمة حرب بموجب اتفاقيات لاهاي وجنيف الرابعة، التي تحظر المساس بالأماكن الدينية في الأراضي المحتلة أو تغيير طابعها أو إدارتها.


ثالثًا: الاعتقالات والضغوط الاجتماعية


الاعتقالات، التي بلغت 2688 حالة خلال عامين، استهدفت بشكل خاص الفتية والشباب والقيادات المحلية والدينية، في محاولة لتفكيك البنية المجتمعية والسياسية للقدس.


أما الأحكام بالسجن الفعلي (723 حكمًا) والقرارات بالحبس المنزلي (171 حالة) فهي أدوات لشلّ الحركة داخل المدينة، وإخضاع السكان عبر السيطرة على تفاصيل حياتهم اليومية.


في المقابل، يعيش أهالي الأسرى واقعًا قاسيًا من التهديد والملاحقة، وحرمانهم من الزيارات، ما يزيد من المعاناة الإنسانية ويقوّض النسيج الاجتماعي.


رابعًا: الواقع الاقتصادي – المدينة المحاصرة من الداخل


القطاع التجاري والسياحي في القدس يعيش حالة انهيار متسارعة.


الحواجز الدائمة، والسياسات الضريبية التعسفية، وقرارات الإغلاق المتكررة، جعلت من الحياة الاقتصادية شبه مشلولة.
التجار المقدسيون يواجهون خسائر فادحة بسبب انخفاض عدد الزوار العرب والمسلمين، وتراجع الحركة الشرائية، فضلًا عن الإغلاق القسري للمحال بذريعة عدم الترخيص أو قربها من “مسارات المستوطنين”.


حتى القطاع السياحي الديني، الذي كان رافعة اقتصادية رئيسية، يعاني من هيمنة شركات إسرائيلية تفرض روايتها وتتحكم بمسارات الزوار الأجانب بما يخدم أهداف التهويد الاقتصادي.


خامسًا: الانعكاسات الاجتماعية والنفسية


هذا الواقع ترك أثرًا نفسيًا بالغًا على سكان القدس، خصوصًا فئة الأطفال والنساء الذين يعيشون في حالة خوف دائم من المداهمات والاعتقالات والإبعاد.


ازدادت معدلات الفقر والبطالة، وتراجعت الخدمات التعليمية والصحية في الأحياء المعزولة خلف الجدار، ما أدى إلى تآكل البنية الاجتماعية وتصاعد مشاعر الإحباط واليأس، في ظل غياب أفق سياسي أو دعم ميداني فعلي.


سادسًا: الرأي القانوني


من منظور القانون الدولي الإنساني، فإن ما يجري في القدس يندرج ضمن سياسة عقاب جماعي يحظرها صراحة المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.


كما أن الاستيطان والتهجير القسري والهدم والإبعاد تشكل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يتيح ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الانتهاكات.


يضاف إلى ذلك أن الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى تمسّ بحرية العبادة وتتناقض مع قرارات اليونسكو التي تعتبر الحرم القدسي الشريف تراثًا إسلاميًا خالصًا لا يجوز المساس به.


سابعًا: توصيات


للحكومة الفلسطينية:

  1. تفعيل المسار القانوني الدولي عبر المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان.
  2. تعزيز الحضور الميداني والخدماتي في القدس لتثبيت السكان ودعم القطاعات المتضررة، ودعم صمود المواطن المقدسي، وتعويض التجار والعمال واصحاب العقارات المهدمة او المهددة بالهدم.
  3. إطلاق حملة دبلوماسية وإعلامية عالمية لتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية.

للحكومات العربية والإسلامية:

  1. تأسيس صندوق دعم دائم للقدس يموّل صمود الأهالي والمؤسسات.
  2. تفعيل قرارات القمم العربية والإسلامية الخاصة بحماية الأقصى ورفض التهويد.
  3. فرض مقاطعة اقتصادية ورسمية لأي جهة تساهم في مشاريع الاستيطان أو التطبيع مع الاحتلال.
    للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية:
  4. تشكيل لجنة تحقيق دولية لمتابعة جرائم الاحتلال في القدس.
  5. فرض عقوبات على المستوطنين والمسؤولين الإسرائيليين المتورطين في انتهاكات جسيمة.
  6. حماية المدنيين والمؤسسات المقدسية تحت مظلة الأمم المتحدة.
  7. تفعيل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن وهيئات الامم المتحدة المختلفة.

بعد عامين من الحرب، يتضح أن القدس كانت – وما تزال – المرآة الأصدق لمعاناة الشعب الفلسطيني، فبين شهيد وأسير ومهجّر، وبين تاجر فقد رزقه وأمّ فقدت بيتها، تقف المدينة شامخة رغم كل ما يحيط بها من حواجز وجدران.
إنّ معركة القدس ليست معركة أرقام فحسب، بل معركة وجود وهوية وكرامة، تحتاج إلى فعل عربي وإسلامي ودولي يتجاوز البيانات، نحو خطوات ملموسة تضع حدًا لجرائم الاحتلال، وتعيد للقدس حقها في الحياة والحرية والسيادة.

  • – معروف الرفاعي – مستشار محافظ القدس

شاهد أيضاً

إصابة طفل برصاص الاحتلال في بلدة عرابة جنوب جنين

إصابة طفل برصاص الاحتلال في بلدة عرابة جنوب جنين

شفا – أصيب طفل برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد ظهر اليوم الثلاثاء، خلال اقتحام بلدة …