11:52 مساءً / 5 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة انطباعية لرواية “أحلام القعيد سليم” نموذجًا للوجود المقاوم للكاتب نافذ الرفاعي ، بقلم : وفاء داري

قراءة انطباعية لرواية "أحلام القعيد سليم" نموذجًا للوجود المقاوم للكاتب نافذ الرفاعي ، بقلم : وفاء داري

قراءة انطباعية لرواية “أحلام القعيد سليم” نموذجًا للوجود المقاوم للكاتب نافذ الرفاعي ، بقلم : وفاء داري

صدرت رواية أحلام القعيد عن مكتبة كل شيء – حيفا – ناشرون (٢٠٢٥) والتي تقع في ١٥٠ ص، لتقدّم شهادة إنسانية ووجودية عن تجربة البطل (سليم)، عامل البناء الذي أصيب بالشلل إثر سقوط سقف أثناء عمله بسبب خلل هندسي. منذ تلك اللحظة، تبدأ رحلة البطل في مواجهة قسوة الفقر والتفكك الأسري وأن يُصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي مفارقة يحاول (سليم) تحويل العجز الجسدي إلى فعل مقاومة عبر الحلم والإبداع.

الرواية تنتمي إلى أدب السيرة الروائية الوجودية، حيث يمتزج السرد الواقعي (السيرة الذاتية) بالرمز الديني والتاريخي والفانتازيا. أبرز استعارة رمزية في النص هي “تسلق شجرة الجميزة” في أريحا، التي تحيل إلى قصة (زكا العشار) في إنجيل لوقا، اذ يقال انه صعد الجميزة ليرى المسيح. هذا الربط الرمزي بين (زكا وسليم) يعمّق الدلالة: الصعود هنا ليس جسديًا فقط بل روحيًا ووجوديًا، بحثًا عن معنى يتجاوز العجز. وقد عزز الكاتب هذا البعد بذكر معالم دينية مثل شجرة البلوط في الخليل المرتبطة بسيدنا إبراهيم (عمرها نحو ٥٠٠٠ عام)، والجميزة في أريحا التي مر بها المسيح (عمرها ٢٠٠٠ عام – ص ٣٥). كما تستعرض حياة سليم، ذكريات طفولته ومراهقته، علاقته بالحب الأول (عواطف)، اختراعه لسريره المتحرك، ومشاركته في تحديات جسدية ونفسية واجتماعية. في جوهرها، تطرح الرواية ثنائية العجز والقوة، الفقد والخلق، الألم والأمل.

العنوان: (أحلام القعيد سليم) الجمع بين “الأحلام” و”القعيد” يكشف عن ثنائية العجز الجسدي مقابل الحلم القادر والممتد. “سليم” يحمل مفارقة؛ فهو اسم يُشير إلى السلامة، بينما صاحبه مقعد، ما يعزز البعد الرمزي للحلم كقوة شفاء. بكلمات اخرى يحيل إلى مفارقة دلالية: إذ يجمع بين “العجز الجسدي”!و”القوة الحالمة”، ليضع القارئ أمام معضلة فلسفية حول ماهية الحرية الإنسانية في ظل القيود الجسدية والاجتماعية.

صورة الغلاف: الغلاف يجسّد صراع الإرادة مع العجز، حيث يصعد القعيد “سليم” بعربته جذع شجرة ضخمة، في صورة تلخّص تحدّي القيود الجسدية بقوة الحلم.


الشجرة: ترمز للحياة، للنمو، للاستمرار، وربما “الحلم” الذي يتسلقه البطل متحديًا إعاقته.
جذور الشجرة وأغصانها: تمثل التعمق في الأرض والتطلع للسماء، وهي صورة للتوازن بين الواقع والطموح.
الكرسي المتحرك على الجذع: يشير إلى الإصرار والتحدي رغم القيود.
الإضاءة الصادرة من السماء وأوراق الشجرة توحي بالإلهام أو الأمل أو تحقق الحلم.
العنوان والصورة يوحيان بأن الحلم أقوى من الجسد، وأن الإصرار يصنع طريقه نحو النور، رغم قسوة الواقع.

الشخصيات في الرواية تنسج شبكة اجتماعية وإنسانية تعكس التمزق والهشاشة:

  • سليم: بطل الرواية، قعيد لكنه مبدع ومقاوم، يحوّل سريره المتحرك إلى وسيلة حياة ويشارك في نشاطات رياضية لذوي الاحتياجات الخاصة.
  • عواطف: الحبيبة الأولى، التي هاجرت وتزوجت ثم عادت، لتجسد الحنين والحب الغائب الحاضر.
  • أمل: شقيقة سليم، التي لعبت دور الأم والابنة معًا، وسندته في حياته اليومية.
  • سامي: الأخ المريض نفسيًا، الذي يمثل جانبًا من المعاناة الاجتماعية والوصمة.
  • الأب: السكير يعكس انهيار السلطة الأبوية.

أسلوب الرواية: تأملي فلسفي يتجاوز الواقعة الفردية إلى فضاء كوني. غير أن البناء السردي شهد بعض الإشكالات، أهمها الانتقال غير المحكوم بين ضمير الغائب (الراوي العليم) وضمير المتكلم (البطل)، كما في الصفحات (٨ ،١٢) وغيرها. هذا التذبذب يربك القارئ ويضعف وحدة الصوت السردي. كذلك، يغلب أحيانًا الطابع التقريري والخطابي والإطالة، مما يقلل من عنصر التشويق ويجعل السرد متثاقلًا.

من الناحية اللغوية، ورد استخدام مصطلح معاق (ص٩، ص١٩: جمعية جميما للمعاقين) وغيرها، وهو مصطلح تجاوزه الوعي الثقافي والبحثي لصالح مصطلحات أكثر احترامًا مثل (ذوي الاحتياجات الخاصة)أو (ذوي الهمم). ومن اللافت أن الكاتب نفسه استخدم لاحقًا هذا المصطلح المعاصر عند وصف المسمى الوظيفي لصديق سليم (علي): “رئيس اللجنة البارا الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة”ص ٢٦ . كان من الأفضل الحفاظ على اتساق لغوي يعكس رؤية حديثة وأكثر إنسانية.

مع ذلك، فإن هذه الملاحظات لا تقلل من قيمة العمل، بل تمثل مقترحات للتحسين يمكن أن تعزز قوته في المستقبل. فالجانب الأهم في الرواية هو رسالتها الإنسانية العميقة: الالتفات إلى شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة بوصفها جزءًا أساسيًا من المجتمع، وتقديم صورة مضادة للوصم والتهميش، حيث يصبح القعود جسراً للصعود، والعجز نقطة انطلاق للحلم والإبداع.

الخاتمة:


أحلام القعيد ليست مجرد حكاية عن إعاقة جسدية، بل نص فلسفي عن معنى الحياة في مواجهة الفقد والاغتراب. قوة الرواية تكمن في قدرتها على تحويل المأساة إلى فعل وجودي، وعلى استدعاء الرموز الدينية والتاريخية لتأكيد أن الصعود فعل إنساني أبدي. وإذا ما عولجت بعض الثغرات السردية واللغوية، فإن الرواية ستغدو نصًا أكثر تماسكًا وقوة، دون أن تفقد رسالتها الجوهرية: الاحتفاء بالإنسان في هشاشته، وإبراز طاقة ذوي الاحتياجات الخاصة كقوة كامنة قادرة على إعادة ابتكار الحياة.

  • – وفاء داري كاتبة وباحثة – فلسطين

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر كالتالي :شراء 3885 بيع 3888