
مقاربة نقدية في كتاب مضمرات الملفوظ في السرد للناقدة الجزائرية الدكتورة أ.د. سعاد بسناسي ، قراءة الناقدة الليبية الدكتورة ابتسام صفر
تمتعت الرواية بمكانة رفيعة في الأدب المعاصر، واكتسبت لمعانها من الأدباء الذين أبدعوا في رصد تجاربهم الاجتماعية والثقافية في حضن السرد القادر على حمل البنية الفنية المتنوعة في الروايات العربية والغربية، ومازالت الرواية تغوص في بحر السرد وتقدم للمتلقي جماليات متنوعة بأبعادها السردية المتينة.
وفي كتاب الدكتورة الفاضلة سعاد بسناسي أزهرت السرديات الروائية، حيث قدم الكتاب رؤية شاملة لمعالم السرد وقيمته البلاغية والفلسفية والجمالية بمختلف الألوان الجميلة الذي يقود القارئ إلى المقاربة الإبداعية للنصوص السردية، ونوضح مواطن مهمة في الكتاب منها:
العنوان:
كان حضور العنوان قويا على المتلقي خاصة الناقد، لأنه يدرك خفايا النصوص السردية وقوتها في اللفظ والمعنى، (مضمرات الملفوظ في السرد)، فقد احتوى العنوان على العمق اللغوي والأدبي، وهو دلالة على تحفيز الناقد للقراءة والبحث في متن الكتاب بفصوله ومباحثه الماتعة التي كشفت عن ربيع السرد وأزهاره الممتدة وراء جمالية اللغة.
سارت الناقدة سعاد بسناسي إلى تفاصيل مضمرات الملفوظ في السرد، ووقفت على العديد من القضايا النقدية والرؤى العميقة حيث تطرقت إلى إضاءة في النظريات النقدية ودورها في مضمرات الملفوظ في السرد، وتأثيرها اللغوي والأدبي في الرواية.
ثانيا- المقاربة السيمائية:
اشتملت الدراسة النقدية على السيمائية وهي عالم كبير ومتعدد الأطراف في الرواية، تهتم السيمائية في فك شفرات النص عن طريق الإشارة أو الرمز وعلامات أخرى تستخدم وفق منظور السرد الروائي.
اهتمت الناقدة سعاد بسناسي في إضاءة المقاربة والتنظير حول السيمائية مثل الوظيفة، العامل، الفاعل الدلالي، ومكانة الملفوظ السردي في هذه العلاقات، ومدى قدرة الكاتب الروائي في نسج السرد وفق منظور النص.
ثالثا المستوى الخطابي والتواصل السردي:
أثارت الناقدة سعاد بسناسي قضية الحوار وأنواعه في الرواية قائلة (الحوار الداخلي وما يصوره من صراعات نفسية مع الذات وما يتحول من أفكار حول الأحداث الخارجية أو المواقف المحيطة به، وأن الحوارية تتصل بالتواصل الخطابي والسردي)، وهي رؤية قيمة فالحوار الداخلي يصور لصراع النفسي للشخصية ويبرز مستوى الخطاب، إضافة أنه يفسر حالة الشخصية وما يدور في ذاتها من فرح أو حزن، وغيره، كذلك الحوار الداخلي يكشف للمتلقي صورة الحقيقية للشخصية من صدق أو كذب مع الآخرين، لذلك فمستوى الخطابي والتواصل السردي بالحوار الداخلي ينير حقيقة الشخصيات ويصاعد المواقف بينما الحوار الخارجي يظهر مستوى السردي ثقافة البيئة ومحيطها ودلالاتها الاجتماعية يكشف الستار بين الشخصيات الرواية، فالرواية مساحة واسعة للحوار الذي يدل على المستوى الخطابي والتواصل السردي مع الشخصيات تقول الناقدة سعاد بسناسي: (الملفوظ الخطاب الروائي يتميز بخاصية التعدد اللغوي وهو تعدد مشخص اجتماعيا قد يعكس صراعات اجتماعية) وقدمت الناقدة الأدلة في رواية نجيب محفوظ
رابعا-المظاهر السردية المتعلقة بالزمن:
لقد أفلحت الناقدة الفاضلة سعاد في إظهار مزايا السرد وارتباطها بالزمن، حيث أتقنت القراءة المنهجية والنقدية التي ذكرها (جيرار جينيت) وهي أربعة عناصر وهي الحذف، تعليق الزمن، الحذف، المشهد، الخلاصة، وهذه العناصر مؤثرة في الرواية، ولها دورا كبيرا في السرد.
من المظاهر السردية المهمة تحويل النص من الخطابي إلى التخييلي وقد أشارت الدكتورة إليه بقولها ( يسمح عنصر الزمن بالانتقال من المستوى الخطابي إلى التخييلي) وبث الخيال داخل السرد يسهم في الجمالية السردية وقوة حركتها داخل الرواية
ومن المظاهر السردية الليل والنهار ورسم المستقبل للمكان أو الشخصيات كلها عوامل تخدم السرد وتحي الزمن داخل الحياة اليومية أو الذكريات الماضية في العمل الروائي.
خامسا- مقاطع الملفوظات الوصفية:
تشكل المقاطع الملفوظات الوصفية مكانة متينة في الرواية، فقد تبدأ الرواية بالمقاطع الوصف المكان، الشخصية، الماضي، سواء أكان بالوصف الخارجي أو الداخلي ، فتمتزج مقاطع الملفوظات الوصفية بتصوير المشاهد السردية تقرب البعيد، وتبعد القريب، لذلك أحاطت الناقدة بالتعريف مختصرا عن الملفوظات الوصفية قائلة( تتميز المقاطع السردية بكثرة توظيف ملفوظات الأوصاف والنعوت) إشارة إلى أهميته في السرد الروائي ولكن أرى عدم الاسراف في مقاطع الملفوظات الوصفية لأنها تبعد تصاعد الأحداث وحركة الشخصيات حتى لا تفقد الرواية التوازن السردي بين عناصر الفنية للرواية.
خامسا- المقاطع الحوارية:
للمقاطع الحوارية دورا كبيرا في الرواية، فهي تسر الأحداث، وتتصاعد المواقف، وتسهم في حركة الشخصيات والصراع التي يدور داخل السرد، وقد تنطلق الرواية بداياتها بالحوار الذي يشكل بصمة عميقة في السرد لأن السرد يتوقف قليلا ويسمح الحوار بالمرور حتى نضمن متابعة المتلقي في القراءة.
متى يكون الحوار من مضمرات الملفوظ في السرد؟
عندما تحيط الشخصية الغموض، أو الخوف من الآخر ويظهر الحوار بالهمس والخفاء أو إشارة بالصوت والكلمات المبهمة فيزداد المتلقي بالتشويق والمتابعة للنص الروائي،
هنا كانت الناقدة يقظة لمفاهيم الحوار فقد أدركت أهميته وأنواعه قائلة ( إن الحوار في العملية السردية يعد قيمة تعبيرية ، ويؤدي وظائف توضيحية، فيشرح مسار الرؤية ، ويبسط الجزئيات من أحداث الرواية مما يجعل شخصياتها تتفاعل) وقدمت الأدلة الحوارية والنصوص الروائية لإثبات الإطار النظري للحوار ودوره في الرواية.
كذلك أشارت الناقدة الفاضلة الأستاذة سعاد بسناسي إلى المقاطع الإخبارية والتفسيرية، الصامتة، التشخصية، ودورهم في السرد، والوصف، وقدرتهم على اكتساب جمالية الدلالة والصورة الخيالية أو إثارة القارئ في إحساسه بالتجديد للمضمون الروائي أو موضوعات الروائية فتكتسب المقاطع قوة الدفع للمتلقي نحو المتابعة للأحداث والشخصيات.
وأخيرا وقفت عند مقاطع الإحالة ودورها في مضمرات الملفوظ في السرد، وأجادت الناقدة الفاضلة سعاد بسناسي نحو أنواعها وأهميتها ومكانتها في الرواية مثل التناص، الاقتباس، وينبغي الإشارة هنا إن الإحالة هي بصمة الكاتب الروائي في قراءاته الفكرية واللغوية والتراثية وحسن اختياره للإحالة دلالة على الوعي الفكري أو الاجتماعي عنده، لأن المتلقي يتأثر بالإحالة النص السردي، وبالمقاطع التي تدل على توافق الشخصية أو الحدث، أو البيئة المكانية.
من مزايا الكتاب أن الناقدة العزيزة جمعت بين المصادر القديمة والحديثة واستطاعت تغذية الكتاب بقراءات نقدية، ومؤلفات عربية وغربية فأشرقت الرؤية عند القارئ أفادت الباحث والناقد لقراءة محتوى جديد يسطع في المكتبات العربية حتى يصبح منهجا مهما في الدراسات العليا والتخصصات الدقيقة.
زادك الله علما
كل الشكر التقدير لكم على حسن الاستماع
الدكتورة ابتسام صفر
