
شفا – أجرت الإعلامية رنا العلي حواراً صحفياً خاصاً مع الأديبة اللبنانية ياسمين عبد السلام هرموش .
وهذا نص الحوار :
- بدأتِ الكتابة في سنّ مبكر (14 عامًا)، وفزتِ بجائزة من وزارة التربية… كيف كانت تلك اللحظة على مسار حياتكِ؟
تلك اللحظة كانت بمثابة البذرة الأولى التي أيقظت فيّ وعي الكلمة، وأكدت لي أن الشعر ليس مجرد هواية عابرة، بل قدرٌ جميل اختارني كما اخترته. شعرت يومها بأنني ولدت من جديد على الورق، وأن الحروف يمكن أن تكون جناحين للتحليق خارج حدود العمر والمكان. - بعد انقطاع دام ١٥ سنة عن الدراسة عدتِ لمتابعة تحصيلكِ العلمي… شو اللي دفعكِ لاتخاذ هالخطوة؟
الحنين إلى المعرفة كان أقوى من كل العوائق. شعرت أن العودة إلى الدراسة هي عودة إلى ذاتي الأولى، إلى الطفلة التي كانت تبحث عن نورٍ في الكتاب. لم يكن القرار سهلًا، لكن الإصرار على التطور، وعلى صون الحلم رغم كل الظروف، جعلني أرى في العودة فعلَ انتصارٍ لا مجرد استئناف. - كيف بتوصفي علاقتكِ بالشعر: هل هو مهنة، رسالة، أم ملاذ داخلي؟
هي كلّ ذلك معًا، لكنها قبل كل شيء حياة. الشعر هو المساحة التي أتنفّس فيها بصدق، وأصغي إلى صوتي الداخلي دون خوف. هو رسالة حين يتقاطع مع قضايا الإنسان، وملاذ حين تضيق بنا الحياة، ومهنة حين يتحوّل الإبداع إلى مسؤولية تجاه الجمال والوعي. - قصائدكِ تتنوع بين الرومانسية، الوطنية، والنقد الاجتماعي… أيّها الأقرب إلى قلبكِ، وليه؟
القريب إلى قلبي هو النص الذي يكتبه قلبي قبل قلمي. الرومانسية تسكنني لأنها تمنح اللغة روحًا ناعمة، والوطنية تؤجج في داخلي جذوة الانتماء، أما النقد الاجتماعي فهو واجب الشاعر في زمن الخلل. لا أختار بينها، لأنها كلها وجوهٌ لامرأة واحدة تكتب ما تشعر به بصدق. - قصيدتكِ “شفاه امرأة بربرية” شكل من أشكال النقد الاجتماعي، تسخر من التزيف والتركيز على الجمال الصناعي. هل بتعتبري الشعر سلاحًا لمواجهة الظواهر الاجتماعية؟
بالتأكيد. الشعر هو أصدق أشكال المقاومة، لأنه يفضح الزيف بأسلوب راقٍ، ويزرع الوعي دون صخب. أنا أؤمن أن القصيدة تستطيع أن تغيّر نظرة، وتوقظ ضميرًا، وتعيد ترتيب قيم الجمال والإنسانية. - تُرجمت أعمالكِ إلى لغات عديدة (الإنجليزية، الإيطالية، الكورية، الألبانية)… كيف كان وقع ذلك عليكِ كامرأة لبنانية عربية شاعرة؟
شعورٌ يشبه أن تعانق قصيدتي العالم. الترجمة جعلتني أؤمن أكثر بأن الكلمة الصادقة لا تعرف حدودًا، وأن الشعر لغة كونية تتجاوز الجغرافيا. كامرأة عربية، رأيت في ذلك مساحة فخرٍ ومسؤولية في الوقت نفسه، لأن صوتي صار يعبّر عن ثقافة بأكملها. - أعمالكِ وُضعت ضمن المناهج الجامعية… كيف بتشوفي مسؤولية الشاعر لما تتحوّل نصوصه إلى مادة تعليمية؟
هي مسؤولية عظيمة، لأن النصّ لم يعد ملكًا خاصًا، بل مرآة يقرأ فيها الطلاب صورة العالم من خلال الشعر. أشعر بفرحٍ عميق، لكن أيضًا بواجبٍ مستمرّ في أن تكون كلماتي مصدر إلهام وتفكير، لا مجرد نصوص تُدرّس. - برأيكِ، ما دور الشاعر اليوم في ظلّ الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان والعالم العربي؟
دور الشاعر أن يكون ضميرًا حيًّا وسط الصخب، وصوتًا يذكّر الناس بأن الأمل لا يموت. نحن لا نحمل السلاح، لكننا نحمل الكلمة التي قد تُنبت شجرة وسط الخراب. على الشاعر أن يكتب بصدق لا بخطابة، وأن يكون شاهدًا لا متفرّجًا. - كيف بتشوفي حضور المرأة الشاعرة اليوم؟ وهل ما زال الشعر حكرًا على “الأصوات الذكورية” أم أن المرأة فرضت حضورها؟
المرأة اليوم لم تعد تكتب من الهامش، بل من القلب النابض للمشهد الشعري. أثبتت أن صوتها لا يقلّ عمقًا أو دهشةً عن أي صوت آخر. حضورها صار فعلاً متجذرًا في الوعي الثقافي، والشعر لم يعد حكرًا على أحد، بل فضاءً مفتوحًا لكل من يكتب بصدق وجمال. - شو مشاريعكِ الأدبية المقبلة؟ هل من ديوان جديد قيد الإصدار؟
نعم، هناك ديوان جديد في طور الإعداد، إضافة إلى رواية أعمل عليها منذ فترة، تحمل همّ الإنسان والمرأة والهوية، بلغةٍ تمزج بين الشعر والسرد. كما أستعدّ لترجمة بعض نصوصي الجديدة إلى الإنجليزية تمهيدًا لمشاركات أدبية خارجية.