11:26 مساءً / 15 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

إدارة الحكم في قطاع غزة بعد الحرب ، بين الواقع المعقّد والحاجة إلى مرجعية شرعية ، بقلم : محمد زيات

إدارة الحكم في قطاع غزة بعد الحرب ، بين الواقع المعقّد والحاجة إلى مرجعية شرعية ، بقلم : محمد زيات

إدارة الحكم في قطاع غزة بعد الحرب: بين الواقع المعقّد والحاجة إلى مرجعية شرعية ، بقلم : محمد زيات

تشهد الساحة الفلسطينية مرحلة شديدة التعقيد بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حيث بات السؤال الأكثر إلحاحًا : من سيتولى إدارة القطاع في المرحلة المقبلة؟ هذا السؤال لا يقتصر على الفلسطينيين وحدهم، بل يتردد صداه في العواصم العربية والدولية، إذ تدرك الأطراف كافة أن شكل الإدارة القادمة سيحدد مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، وقد يؤثر بصورة مباشرة على فرص استئناف أي مسار سياسي نحو الحل العادل والشامل.

في خضم هذا الجدل، يبرز اتجاهان رئيسيان: الأول يدعو إلى عودة السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والمعترف به دوليًا للشعب الفلسطيني، والثاني يطرح صيغًا بديلة تشمل مشاركة الفصائل أو حتى ترتيبات دولية مؤقتة، وبين هذين الاتجاهين تقف تحديات معقدة تفرض نفسها على أرض الواقع، أبرزها الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية، والحاجة إلى إعادة الإعمار، وضمان الأمن والاستقرار في ظل الانقسام السياسي الداخلي.

قطاع غزة يواجه اليوم أزمة إنسانية غير مسبوقة، تتطلب إدارة فاعلة وسريعة، وهناك ملايين الفلسطينيين بحاجة إلى خدمات أساسية: من كهرباء، ومياه، وصحة، وتعليم، ومع أن الفصائل المختلفة لعبت أدوارًا متنوعة خلال سنوات الانقسام، فإن المجتمع الدولي لم يتعامل إلا مع السلطة الفلسطينية باعتبارها الجهة الشرعية الممثلة للشعب الفلسطينيين، وهو ما يضعها في موقع محوري في أي خطة لإعادة البناء او إدارة الحكم في الضفة والقطاع في لاحق الأيام.

من ناحية أخرى، فإن استمرار حالة الانقسام بين الضفة الغربية وغزة يعمّق من هشاشة الوضع السياسي، هذا الانقسام لا يقتصر على البعد الجغرافي، بل يتجلى في التنافس على الشرعية والتمثيل، وفي الوقت الذي تسعى فيه أطراف دولية للتواصل مع مختلف القوى، يبقى واضحًا أن أي مسار سياسي شامل يحتاج إلى غطاء رسمي من السلطة الوطنية الفلسطينية التي تحظى بالاعتراف العربي والدولي.

أول التحديات يتمثل في إعادة الإعمار، إذ تشير التقديرات إلى أن حجم الدمار في غزة يتطلب عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى سنوات من العمل المتواصل، وهنا تظهر أهمية وجود جهة رسمية معترف بها في كل الميادين والمحافل الدولة قادرة على استقطاب الدعم الدولي والإشراف على توجيهه بما يضمن الشفافية والعدالة.

التحدي الثاني هو الأمن والاستقرار فبدون بيئة آمنة، ستظل أي جهود لإعادة الإعمار أو تحسين الوضع المعيشي مهددة، وهذا يتطلب مرجعية أمنية وسياسية واحدة، قادرة على التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما يتطلب مؤسسات معترف بها أيضاً تمتلك الخبرة الإدارية والسياسية.

أما التحدي الثالث فيتعلق بـ الشرعية السياسية، فالشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يحتاج إلى قيادة واحدة تعبّر عنهم أمام المجتمع الدولي، واستمرار الانقسام والإنقلاب على السلطة منذ العام 2007 في القطاع يضعف بشكل كبير القضية الفلسطينية ويمنح الأطراف الأخرى سواء كانت خارجية او داخلية فرصة لاستغلال الانقسام.


الى تضع هذه الحرب الدموية أوزارها سؤخذ بالحسبان أن من ضمن هذه الأوزار سيكون سيناريو متوقع الحدوث ومتفق عليه مسبقاً بين جميع الأطراف وسنحاول توقع بعضاً من هذه السيناريوهات ضمن المعطيات الحالية:


1- عودة السلطة لإدارة غزة


هذا الخيار يحظى بدعم قطاعات واسعة من المجتمع الدولي والعربي، نظرًا لأنه ينسجم مع الشرعية القانونية والسياسية المعترف بها، ويتيح هذا المسار إمكانية دمج غزة في مؤسسات الدولة الفلسطينية القائمة، بما في ذلك الوزارات والأجهزة الأمنية والإدارية جميعها.


2- تشكيل حكومة وحدة وطنية


يُطرح هذا الخيار كحل وسط، يضمن مشاركة وتمثيل جميع القوى السياسية، لكنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بمدى استعداد الأطراف للتنازل وتقديم المصلحة الوطنية على حساب الحسابات الحزبية ومع ذلك أو الخارجية، ويبقى خيارًا يمكن البناء عليه إذا ما توفرت الإرادة السياسية.


3- الإدارة المشتركة أو الدولية المؤقتة


بعض الأطراف الدولية تلمّح إلى إمكانية وجود صيغة إدارة مشتركة بمشاركة إقليمية أو حتى إشراف دولي، إلا أن هذا الخيار قد يُنظر إليه لدى القيادة الفلسطينية على أنه مساس بالقرار الوطني الفلسطيني، خاصة إذا تم تجاوزه للشرعية الفلسطينية القائمة.


ولو حاولنا من خلال هذه السيناريوهات توقع الأقرب منها للتطبيق، فمن المرجح أن يكون الأول، خاصة أنه يمثل السلطة الشرعية المعترف بها إقليمياً ودولياً كممثل للشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعند تنفيذ هذا السيناريو على أرض الواقع سيكون الدعم المقدم للتخلص من آثار هذه الحرب المدمرة وإعادة الأعمار أسهل بكثير، لأن كل هذا الدعم سيكون مرهون ومشروط بوجود سلطة لإدارة الحكم معترف بها دولياً، مع التذكير أن أياً من هذه السيناريوهات سيُقابل بحتمية المواجهة من قبل الاحتلال الذي لا يكل ولا يمل من وضع جميع أنواع العراقيل والضغوط التي تمارس في وقتنا الحالي بالفعل أمام توحيد شِقي الوطن في محاولة للقضاء على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وجعله غير قابل للتنفيذ من خلال جميع يمارسه من قتل ودمار وفصل عنصري وتهويد واستيطان وتقطيع أواصر الجغرافيا الفلسطينية.


فمن الناحية العملية، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تمتلك من الأدوات ما يجعلها أكثر قدرة على قيادة المرحلة المقبلة، سواء من حيث الخبرة المؤسسية أو من حيث الشرعية القانونية، فهي الجهة التي يمكنها أن تطلب الدعم الدولي رسميًا، وتوقع الاتفاقيات، وتشرف على المشاريع الكبرى، وفي الوقت نفسه لديها القدرة على انهاء الانقسام البغيض حالما توافرت الإرادة السياسية لدى حركة حماس.

وبالتالي، فإن الخيار الأكثر واقعية كما أسلفنا، يتمثل في تعزيز دور السلطة ضمن إطار وطني جامع، بحيث تكون المرجعية الشرعية هي القاعدة، مع ضمان مشاركة الفصائل والقوى السياسية في إطار مؤسساتي منظم، هذا يحقق معادلة مزدوجة: في الحفاظ على الشرعية المعترف بها، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية الداخلية.

إن قضية قطاع غزة بعد الحرب ليست مجرد قضية محلية، بل هي اختبار لقدرة الفلسطينيين على تجاوز الانقسام وبناء مرجعية وطنية جامعة، ورغم صعوبة التحديات، فإن الطريق إلى المستقبل يمر عبر العودة إلى المؤسسات الشرعية، وتوسيع المشاركة السياسية، وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الفصائلية، وإن إعادة إعمار غزة، وتحقيق الاستقرار فيها، وحماية القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، جميعها تحتاج إلى قيادة معترف بها قادرة على تمثيل الفلسطينيين أمام العالم.

وعليه، فإن الميل نحو السلطة الشرعية لا يعني إقصاء الآخرين، بل يعني إعادة توحيد البيت الفلسطيني تحت سقف واحد، لتكون غزة والضفة والقدس جزءًا من مشروع وطني واحد، متماسك وقادر على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الإثنين 15 سبتمبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …