4:26 مساءً / 15 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة في قصيدة عندما بكى الله للكاتبة رانية مرجية ، بقلم : الدكتور عادل جودة

قراءة في قصيدة عندما بكى الله للكاتبة رانية مرجية ، بقلم الدكتور : عادل جودة


طابت اوقاتكم


‏ هذه القصيدة تستحق كل هذا التأثر والتدبر. إنها قطعة فلسفية وجودية شديدة العمق والجمال، كتبت بلغة عربية فصحى راقية وبليغة.

‏دعني أشاركك قراءتي الأدبية :

‏قراءة أدبية في قصيدة “عندما بكى الله” للكاتبة رانية مرجية

‏١ – العنوان المثير: العنوان”عندما بكى الله” صادم ومخالف للتوقعات. فهو يخلق تناقضًا دراميًا بين فكرة “الإله” الكامل المتعالي، وفعل “البكاء” الإنساني الضعيف المحمل بالعاطفة.
‏هذا التناقض يشد القارئ فورًا لاستكشاف سر هذه المفارقة.

‏ ٢ – الإطار الأسطوري والكوني: تبدأ القصيدة بخلق عالم أسطوري،خارج نطاق الزمن والمكان المألوف (لم يكن هناك زمن، ولا بداية ولا نهاية).
‏هذا يجعل الحدث (بكاء الله) حدثًا تأسيسيًا كونيًا، كالانفجار العظيم في الروايات العلمية، لكنه هنا روحي وعاطفي.

‏ ٣ – تجسيد المجرد ولغة الرمز: تعتمد الكاتبة على رمزية قوية ومجازية عميقة:

‏• البكاء ليس دموعًا: هنا تكمن عبقرية التصوير. البكاء الإلهي ليس عاطفة بشرية، بل هو ارتجاشة في قلب الوجود و شرخًا صغيرًا في جدار الكمال.
‏ إنه لحظة تحول كوني، إطلاق للطاقة الإلهية التي ستشكل كل شيء.
‏• الشرخ في جدار الكمال: هذه الصورة محورية. الخلق ليس كمالًا ساكنًا، بل هو كسر لذلك الكمال المطلق. دخول الإنسان من هذا الشرخ يعني أن الإنسان نفسه كائن ناقص بطبيعته (لأنه وُلد من شرخ في الكمال)، ولكنه أيضًا كائن حر (كما سيأتي).
‏ • الدمعة أصل الوجود: من دموع الخالق ينبثق الوجود بثنائياته المتضادة (الخير والشر، الموت والحياة). هذا يمنح الشرعية والقدسية لكل ما في الوجود، حتى الألم والشر، كجزء من مشروع الخلق.

‏ ٤ – الفكرة المركزية: مأساة الحرية والفقد: الفكرة الأعمق في القصيدة هي الربط بينالحرية و الفقد. الحرية هي أعظم هبة إلهية (وُلدت الحرية)، لكنها لم تكن هبة بريئة، بل حملت في رحمها الفقد.

‏• الحرية تعني القدرة على الاختيار، وبالتالي احتمال الخطأ والابتعاد.
‏ • الفقد هو الثمن: فقد الأمن، فقد اليقين المطلق، فقد القرب المباشر من الخالق. هذا يفسر الشقاء الوجودي للإنسان.

‏ ٥ – السؤال الوجودي الختامي: الخاتمة مأساوية وجميلة.يصبح مصير الإنسان بحثًا أبديًا عن الخالق (يبحث الإنسان عن وجه الله بين الرماد والنجوم).

‏ • الرماد: رمز الدنيا والفناء والضعف والموت.
‏ • النجوم: رمز السماء والخلود والأمل والطموح. الإنسان كائن بين بين،يعيش في هذه المسافة.

‏السؤال الذي تختتم به القصيدة (هل كان بكاؤه حزنًا علينا، أم حزنًا لأننا سنصير ما صرنا؟) هو قمة المأساة. هل كان البكاء تعاطفًا مع مصيرنا الصعب الذي ينتظرنا؟
‏ أم كان حزنًا على اختياراتنا المستقبلية التي ستُبعِدنا عنه؟
‏ هذا السؤال يضع المسؤولية على عاتق الإنسان ويجعل العلاقة مع الخالق علاقة معقدة وحميمة ومحملة بالمشاعر.

خاتمة :

‏هذه القصيدة ليست مجرد كلمات جميلة، بل هي رؤية فلسفية عميقة لأصل الوجود ومأساة الإنسان الحر، المكتوب عليه البحث عن المعنى في كون شاسع.
‏ إنها تقدم (لاهوت) شعريًا يختلف عن الخطاب الديني التقليدي، فهو أكثر تركيزًا على الجانب العاطفي والوجودي للعلاقة بين الخالق والمخلوق.

‏شكرًا لك على هذه الجوهرة الأدبية.
‏ حقًا، إحدى أجمل القصائد التي صادفتها
‏في الفترة الأخيرة.
‏تحياتي واحترامي

عندما بكى الله

✍️ بقلم: رانية مرجية

لم يكن هناك زمن،

ولا بداية ولا نهاية.

كان الصمت هو الخليقة،

حتى ارتجف الضوء.

قيل: بكى الله.

لكن لم تكن دموعًا،

بل ارتعاشة في قلب الوجود،

شرخًا صغيرًا في جدار الكمال،

ليدخل منه الإنسان.

بكى الله،

فانبثق الخير والشر،

الموت والحياة،

الأرض والسماء.

ومن تلك الدمعة

وُلدت الحرية،

لكنها حملت في رحمها الفقد.

فمنذ ذلك اليوم،

يبحث الإنسان عن وجه الله

بين الرماد والنجوم،

ولا يعرف:

هل كان بكاؤه حزنًا علينا،

أم حزنًا لأننا سنصير ما صرنا؟

شاهد أيضاً

بيروت : بيت عزاء لوالدة اللواء العبد ابراهيم خليل في سفارة دولة فلسطين

بيروت : بيت عزاء لوالدة اللواء العبد ابراهيم خليل في سفارة دولة فلسطين

شفا – اقيم اليوم الاثنين، في سفارة دولة فلسطين في لبنان، بيت عزاء للمرحومة الحاجة …