1:33 مساءً / 8 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

أيُّ فرح هذا ؟! بقلم : د. عمر السلخي

أيُّ فرح هذا ؟! بقلم : د. عمر السلخي

أعراسنا… مسرحيات مُكلفة بطلها “الظرف الأبيض”

الطابور العظيم

تبدأ الحكاية بمشهد يُشبه طابور التموين في زمن الحرب: عشرات المدعوين مصطفّين بوجوه متجهّمة وابتسامات بلا روح، ينتظرون دورهم للسلام على العريس. تصافح، تلتقط صورة، وتغادر وكأنك موظف على “كشوف الحضور والانصراف”. لحظة تُشبه ختم جواز السفر على معبر، لا أكثر.

بطل الليلة: الظرف الأبيض

كل ما سبق مجرد تمهيد، أما النجم الأوحد فهو الظرف الأبيض. هذا الكائن المسكين الذي صار أشبه بجواز عبور إلى العرس. تفتحه بخجل، تودع فيه المبلغ الذي يليق بقربك أو بعدك، ثم تضعه في الصندوق وكأنك تسدد فاتورة كهرباء. نعم، هو ليس “نقوطًا” بل أشبه بـ”ضريبة القيمة المضافة” على الفرح.

خط إنتاج الأعراس

حين تدخل قاعة الطعام، تجد نفسك في مصنع لا في عرس. نفس القائمة: أرز بالجملة، لحم يُوزّع بالملعقة الكبيرة، مشروب غازي في علبة باهتة، وقطعة كلاج مع قهوة سريعة التحضير. خط إنتاج محكم، كأنك تمر بسلسلة “تيك أوي تراثية”. المشهد يُذكرك بمطاعم الوجبات السريعة، مع فرق بسيط: هنا الوجبة تتزيّن بعبارة “مبارك”.

فاتورة الفرح: بالآلاف

ولأن العرض لا يُقام مجانًا، فإن فاتورة العرس تبدأ من خمسين ألف شيكل ولا تنتهي عند المئة او اكثر. العريس المسكين إمّا يستدين من البنك أو يراهن على “حصاد النقوط” ليغطي الخسائر. وكأن الزواج مشروع تجاري: “ادفع مقدّمًا، وانتظر الأرباح لاحقًا”. لكن الحقيقة أنّ الأرباح غالبًا وهم، والخسائر واقع.

كوميديا على أطراف المأساة

المضحك المبكي أنّ كل هذا يحصل في بلد محاصر، برواتب مقطوعة، وبطالة مستشرية، وشهداء يُشيّعون يوميًا. وسط هذا الخراب، تتحول الأعراس إلى معارك استعراضية، وكأننا نصرخ في وجه العالم: “نعم نحن فقراء، لكن عندنا أعراس مليونية!”. مشهد لا يليق إلا بالكوميديا السوداء.

الإغلاقات ومناسك العرس

يزداد العبث حين يُطلب من الضيوف أن يسافروا بين القرى والبلدات وسط الحواجز. رحلة قد تستغرق ساعة لقطع عشرة كيلومترات. وهنا يتحول حضور العرس إلى ما يشبه الحج: تبدأ بالتسجيل عند العريس (المصافحة والصورة)، ثم تطوف حول قدور الأرز، تشرب من “زمزم الشات كولا”، وتختم برمي فنجان القهوة الورقي في سلة المهملات كأنك ترمي الجمرات. وهكذا تعود من العرس “حاجًا” مثقلاً بالتعب… و”مخففًا” في الجيب.

أعراس الفيسبوك

ولأن المشهد لا يكتمل إلا باللمسة العصرية، صار لكل عرس “غرفة عمليات” إعلامية: مصوّر محترف، بث مباشر على فيسبوك، و”ستوري” كل خمس دقائق. العريس يتحول إلى نجم سينمائي، والعرس إلى مسلسل من عشرين حلقة. الضيف المسكين لا يعرف: هل جاء ليشارك فرحًا، أم ليكون “كومبارس” في بث حيّ مخصص للجمهور العريض من المتابعين؟ والكارثة أن بعض الضيوف يكتشف صورته في اليوم التالي وهو يلوك قطعة كلاج، كأنها إعلان تجاري لمطعم حلويات!

توصيات

خفّفوا الطوابير: يكفي أهل البيت، فالعرس ليس انتخابات عامة.

ارحموا الظرف الأبيض: فهو صار أضعف من الجنيه المصري.

لا ترهقوا العريس بالقروض: الزواج مشروع حياة، لا مشروع “تسديد أقساط”.

عودوا للبساطة: زغرودة صادقة أقوى من مئة طبق أرز.

اختصروا المسافات: لا تجعلوا الضيف يشعر أنه في “رحلة تيست درايف” بين الحواجز.

ختامًا: أيّها السادة… الفرح ليس في حجم القاعة ولا في عدد الصور ولا في وزن اللحم. الفرح الحقيقي أن نحتفل بلا ديون، بلا استنزاف، وبضحكة صافية تشبه قلوبنا. فلنُخرج العرس من خانة “المسرحية” ونُعيده إلى خانة “الفرحة”. غير ذلك… سنبقى نضحك ساخرين ونحن نأكل الكلاج، بينما أرواحنا مشغولة بالحواجز، وبالشهداء، وبالأيام الأصعب التي يعيشها شعبنا.

شاهد أيضاً

ضبط منشطات جنسية ممنوعة من التداول في أريحا

شفا – ضبط جهاز الضابطة الجمركية خلال عمله على إحدى الحواجز، في أريحا مركبة بداخلها …