12:29 مساءً / 7 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

رفاه المعلم الفلسطيني تحويليا، بين المفهوم المثالي والواقع المُعيق ، بقلم : نسيم قبها

رفاه المعلم الفلسطيني تحويليا، بين المفهوم المثالي والواقع المُعيق ، بقلم : نسيم قبها

الرفاه كضرورة تربوية في بيئات الأزمات والطوارئ

يشكل مفهوم “رفاه المعلم” أحد أهم الركائز الأساسية في أنظمة التعلم والتعليم العالمية، لا سيما في السياقات الإنسانية والأزمات. ويُعرَّف الرفاه بأنه حالة متعددة الأبعاد تشمل الصحة النفسية والجسدية، والرضا الوظيفي، والشعور بالتمكين، والقدرة على الأداء المهني الفعّال في بيئة داعمة . إلا أن تحقيق هذا المفهوم في السياق الفلسطيني يصطدم بواقع سياسي واقتصادي استثنائي، يحوّل الرفاه من حق أساسي إلى رفاهية غير واقعية في كثير من الأحيان.

المفهوم الفلسفي والتربوي لرفاه المعلم: يرتكز الرفاه على نظريات فلسفية مثل “اليودايمونيا” (السعادة المعتمدة على تحقيق الذات) في مقابل “الهيدونية” (السعادة القائمة على المتعة) . وفي التربية، يُعتبر الرفاه عاملاً حاسماً في جودة عملية التعلم و التعليم، حيث يرتبط ارتباطاً عضوياً بقدرة المعلم على الإبداع، والتأثير الإيجابي في الطلبة، وبناء بيئات تعلم آمنة وحافزة . أما في السياقات الطارئة، مثل فلسطين، يتعدى الرفاه الجانب الفردي ليشمل قدرة النظام التعليمي ككل على الصمود التربوي في وجه الاضطرابات الخارجية التي لا تنتهي.

الواقع الفلسطيني: اختراق الرفاه تحت وطأة الاحتلال والاقتصاد


فالقمع السياسي وهيكلية العنف تؤدي إلى عيش المعلم الفلسطيني تحت تأثير ثلاثي: احتلال ينهب الموارد ويقيد الحركة، ومناهج تُستهدف بشكل ممنهج، وعنف مباشر ضد المدارس والطلبة . وفقاً لتقارير، دُمّر أكثر من 91% من البنية التحتية التعليمية في غزة، مما يحول الفصل الدراسي إلى “فضاء للمقاومة الوجودية” بدلاً من كونه بيئة تعلم آمنة . هذا الواقع يفرض على المعلم أدواراً إضافية: كمعالج نفسي، وقائد مجتمعي، ومناضل من أجل الحق في التعليم .


بالانتقال إلى الاقتصاد السياسي للإفقار ، فإن المعلم الفلسطيني يتقاضى ( راتباً / معاشا) يتراوح بين 2,200 و3,000 شيكل في حال صرفها شهريا كاملة ، في الوقت الذي بتقاضى المعلم هذه الشواكل كل شهرين في مشهد سيء المآلات ، مقارنةً بالحد الأدنى للأجر في (إسرائيل) (6,247 شيكل) . هذه الفجوة الاقتصادية لا تقوض الاستقرار المالي فحسب، بل تُفقد المعلم كرامته المهنية، وتحول الرفاه من “تمكين” إلى “صراع للبقاء” . يُضاف إلى ذلك نقص الموارد التدريبية، والاكتظاظ في الصفوف، وعدم كفاية البرامج الداعمة للصحة النفسية .

الإحباط المؤسسي والفجوة بين السياسات والتطبيق: فرغم وجود سياسات تربوية طموحة (مثل رخصة الممارسة المهنية واستراتيجيات التطوير المهني)، تبقى الإصلاحات حبراً على ورق نتيجة المركزية في اتخاذ القرار، وضعف المشاركة المجتمعية، والتبعية الاقتصادية (لإسرائيل ) . هذا يفاقم الشعور بالإقصاء بين المعلمين، ويُضعف ثقتهم في النظام التربوي الرتيب .

محاولات التكيف: من البقاء إلى الازدهار المقاوم ، فبرغم التحديات، يطور المعلم الفلسطيني آليات تكيف إبداعية ، من التعليم كفعل تحرري ، والذي من خلاله يحول المعلم القيود إلى فرص للإبداع، باستخدام طرائق تدريس تعزز التفكير النقدي والانتماء الوطني ، بالإضافة إلى المبادرات المجتمعية: مثل “تعلّميات تربوية” المنبثقة عن الائتلاف التربوي الفلسطيني، التي تنظم ندوات للتوعية بضرورة الرفاه وتعلم الكبار والتعليم في حالات الطوارىء ….، وتؤثر في صناعة السياسات ، وصولا إلى التكيف مع المنهاج الخاضع للاستهداف ، فمن خلال إعادة صياغة المحتوى التربوي، ليعكس الرواية الفلسطينية، يأتي تعزيز الهوية لمواجهة محاولات التزيف الهمجية .

رؤية نقدية: نحو مفهوم سياقي للرفاه في فلسطين

إن الرفاه في فلسطين لا يمكن قياسه بمقاييس غربية (مثل مؤشر WHO-5) فقط ، بل يجب أن يُعاد تعريفه ليشمل:
· الرفاه كصمود ، يقاس بالقدرة على التحمل تحت الضغط، والحفاظ على الكرامة الوطنية .


· الرفاه كتمكين مجتمعي: عبر تعزيز الشراكة بين المدارس والمجتمع المحلي، وبرامج الدعم النفسي المبنية على الثقافة المحلية .
· الرفاه كعدالة سياسية: ربط تحسين المعلم بإنهاء الاحتلال، لأن الحرية شرط أساسي لأي رفاه حقيقي .

يتجلى الرفاه كضحيةً وقوة فلسطينيا ، فالرفاه في السياق الفلسطيني ليس ترفاً، بل هو شرط ضروري لاستمرار التعلم و التعليم ، وكأداة للصمود والتحرر. لكن تحقيقه يتطلب أكثر من سياسات تربوية؛ فهو يحتاج إلى رؤية شاملة تدمج النضال السياسي بالتمكين الاقتصادي والدعم النفسي. كما قالت أحدى زميلاتي المعلمات في غزة: “نحن نعلم تحت القصف لأن التعليم هو أقوى أشكال المقاومة”. هنا يصبح الرفاه هو القدرة على الاستمرار في هذه المقاومة، حتى في ظل استحالة الظروف.

  • – نسيم قبها – باحث في الشأن التربوي – الإئتلاف التربوي الفلسطيني – الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

وزارة الثقافة ومسرح نعم ينظمان عرضًا مسرحيًا بعنوان "أنيس" لأطفال مدينة حلحول شمال الخليل

وزارة الثقافة ومسرح نعم ينظمان عرضًا مسرحيًا بعنوان “أنيس” لأطفال مدينة حلحول شمال الخليل

شفا – في أجواء مفعمة بالبهجة والمعرفة، نظمت وزارة الثقافة الفلسطينية بالتعاون مع مسرح نعم …