
“حين يخدعنا الحنين… وتُكمل الحياة” بقلم : ناديه كيوان
الحنين، ذلك الزائر الذي يطرق أبواب قلوبنا بلا استئذان، يجعلنا نظن أن العودة إلى الأماكن التي احتضنت سعادتنا يومًا ستعيد إلينا ذات البهجة. لكن الحقيقة مختلفة وقاسية أحيانًا؛ فالمكان لا يبقى كما هو، والوجوه تتغير، والزمن يترك بصماته على كل شيء، حتى على ملامحنا نحن.
العودة ليست سوى فخٍّ للذاكرة، فخٍّ يجعلنا نصطدم بالفراغ حين لا نجد ما كنا نبحث عنه. نحاول أن نلتقط بقايا الضحكات في المقاهي القديمة، أن نتلمس دفء الأحاديث التي كانت تسند أرواحنا، لكننا نصطدم بأنفسنا وقد تغيرنا، لم نعد أولئك الذين كناهم يومًا.
لهذا، ربما الحكمة ليست في العودة، بل في الاحتفاظ بتلك اللحظات كما هي في الذاكرة: صافية، نقية، كاملة، لا تشوبها ندبة الحاضر ولا خيبة الواقع. فالأمكنة، مهما حاولنا أن نعيد إليها وهجها الأول، تبقى شاهدة على غيابٍ لا يُعوض، وعلى زمنٍ لن يعود.
لكن هذا لا يعني أن السعادة انتهت. فالحياة لا تُختصر في مكان واحد أو وجوه محددة. هناك دومًا دروب جديدة لم نخطُ عليها بعد، وأشخاص لم يمنحنا القدر فرصة اللقاء بهم، وأماكن تنتظر أن تبهرنا كما لم يفعل غيرها.
إنه درس مؤلم وجميل في آن: أن نتعلم أن الماضي ليس وطنًا يمكن العودة إليه، بل لوحة نتأملها ونبتسم. وأن نستمر في المسير بخطوات واثقة، لأن الحياة ما زالت تخبئ لنا دهشة لم نعرفها، وحنينًا جديدًا سيولد ذات يوم.
“الحياة لا تعيد نفسها، بل تدفعنا لأن نعيد نحن خلق أنفسنا من جديد… فما كان يومًا لنا، صار جزءًا من ذاكرتنا، لا من حاضرنا.”