2:03 صباحًا / 15 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

كاظم حسن سعيد … النهر الذي لا ينضب ، بقلم : رانية مرجية

كاظم حسن سعيد … النهر الذي لا ينضب ، بقلم : رانية مرجية

حين يتجسد العراق في إنسان

هناك كُتّاب يكتبون من مسافة، وهناك كُتّاب يكتبون من لُبّ الجرح. كاظم حسن سعيد هو من الفئة الثانية، بل هو أحد الذين إذا قرأتهم شعرت أن كلماتهم ليست حبرًا على ورق، بل دمًا نابضًا، وأنك حين تطوي الصفحة لا تغلق كتابًا، بل تغلق نافذة على عراق يتنفس في قلبك.

وُلد عام 1955 في جنوب العراق، في تربة مشبعة بالشعر والدمع، تربة تعطيك من الخبز بقدر ما تعطيك من الحزن، وتعلّمك أن الكلمة يمكن أن تكون خبزًا للفقراء، وسيفًا في وجه الظلم، ومرهمًا لجراح الوطن.

أديب متعدد الوجوه

كاظم شاعر يعرف كيف يجعل من المفردة كائنًا حيًّا، وأديب يفتح في النص أبوابًا على عوالم لم نعهدها، وصحافي يقبض على لحظة الحقيقة دون أن يفقد لمسة القلب. له ثمانية وعشرون عملاً أدبيًا بين الشعر والرواية والسيرة والمذكرات؛ أعمال مثل البريكان: مجهر على الأسرار وجذور الريادة، بائع الجنائز، الشباك لا تمسك الغبار الذهبي، وحي سليطة، ليست مجرد عناوين، بل محطات في رحلة بحثه عن المعنى.

كتبه تحمل تعددًا أسلوبيًا نادرًا؛ فيها الوثائقي والتحقيقي، وفيها السرد الحكائي المضمّخ برائحة البيوت الطينية، وفيها الشعر الذي يقطر من وجدان حاد وحساسية مفرطة تجاه التفاصيل.

العراق في نصوصه: بطل لا يغيب

في عالم كاظم حسن سعيد، العراق ليس إطارًا جغرافيًا، بل هو كائن حي، يتحدث، يئن، ويغني. الجنوب بأهواره وبساتينه، بغداد بأسواقها وضجيجها، الحروب التي عبرت كالسيل وخلفت وراءها أنينًا طويلًا، والناس الذين ظلوا يتشبثون بالحياة كأنهم على موعد مع الفجر—كلها عناصر تجري في نصوصه كما يجري الماء في دجلة.

يكتب عن الوطن كما يكتب العاشق عن الحبيب الغائب؛ بوفاء لا تشوبه المساومة، وبألم لا يخففه النسيان.

صداقة من رسائل وحروف

أعتز كثيرًا بصداقتي مع هذا القامة، صداقة لم تُبنَ على لقاءات، بل على رسائل تتنقل بيننا، تحفر ممراتها في المسافة، وتكسر حدود الجغرافيا. جمعتنا مجلة ياسمينتي، حيث نتطوع معًا لنصون الكلمة الحرة ونضع الثقافة في متناول الجميع. في هذه الرسائل، يطل كاظم كما هو في نصوصه: صادقًا، شفافًا، مخلصًا لفكرته ولرسالته، مؤمنًا أن الأدب حين يبتعد عن الناس يفقد روحه.

وفاء للكلمة وللذاكرة

في زمن تُكتب فيه النصوص على عجل وتموت على عجل، ظل كاظم وفيًا للإيقاع الذي يحترم المعنى. نصوصه لا تُقرأ مرة واحدة، بل تُعاودك كما تعاودك أغنية قديمة ترتبط بذكرى غالية. هو من أولئك الذين يدركون أن الكتابة ليست مهنة، بل طريقة للعيش، وأن الأديب هو آخر الحراس على أسوار الذاكرة.

خاتمة تليق بمقامه

كاظم حسن سعيد ليس مجرد اسم في سجل الأدب العراقي، بل هو نهر من حروف، إذا جفّ ماؤه جفّت معه أرواح كثيرة. هو شاهد على عصر، وصوت لا ينكسر، وصديق يذكّرك أن المسافة لا تعني الغياب، وأن الكلمة الصادقة تستطيع أن تعبر حتى حدود القلب.

إنه أحد أولئك القلائل الذين يجعلونك تؤمن أن العراق ما زال بخير، طالما فيه من يكتب بصدق ككاظم، ومن يزرع في حقول الألم أزهار الحبر التي لا تذبل
رانية

شاهد أيضاً

الأمن الوطني يشارك في لقاء مع الدفاع المدني في بلدة الرام

الأمن الوطني يشارك في لقاء مع الدفاع المدني في بلدة الرام

شفا – شاركت قيادة منطقة القدس والضواحي، بالتعاون مع مديرية التوجيه السياسي والوطني للقدس، في …