12:12 مساءً / 7 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

صدى الكلمات… أو ارتجافة الروح على إيقاع المعنى ، قراءة ، بقلم : رانية مرجية

صدى الكلمات… أو ارتجافة الروح على إيقاع المعنى ، قراءة ، بقلم : رانية مرجية

حين يكتب كاظم إبراهيم مواسي، لا يُلقي بالكلمات في الفراغ، بل يُسكنها نبضًا داخليًّا، يُفصح عن هشاشة الإنسان وصلابته في آن، عن بساطته التي تنطوي على حكمة، وعن تواضعه الذي يخفي قممًا من الكبرياء الإنساني الجميل.

نصّه “صدى الكلمات” ليس مجرّد بوح شعري، بل هو تأمّل هادئ في معنى الذات ومعنى الآخر، في العلاقة الجدلية بين الإنسان وكلمته، بين الضعف والكرامة، بين الألم والنور، بين الغياب والحضور.

منذ الشطر الأول:

“صدى الكلمات يروي بعض أسراري
لمن غابوا وما عرفوا بأشعاري”

يفتح الشاعر نافذته على الداخل، ويترك لمن غابوا أن يتلصّصوا على ما لم يقولوه له، ما لم يسمعوه، وما لم ينتبهوا لعمقه حين كان بينهم. الكلمة هنا ليست فقط وسيلة تعبير، بل وسيلة نجاة، ذاكرة داخلية تعيد التوازن للروح حين يُهددها النسيان أو الجحود.

أنا وهج النضال…

حين يقول:

“أنا وهجُ النضال ينير لي عيشاً
كريماً كالحجارة بين أسواري”

فهو لا يدّعي البطولة، بل يشير إلى تلك الكرامة اليومية التي تتجلّى في الإنسان البسيط، المقاوم بشفافيته، المثابر بنظافة ضميره. الكرامة هنا ليست صراعًا دمويًّا، بل حالة وُجودية، حياة تُبنى على الصفاء لا على الانفعال، على اليقين لا على الضجيج.

وما أعمق ما يقول:

“صفاء النفس زينتها وإصراري”

فما أندر هذه الزينة في زمن تعكّر فيه الأرواح بسباق الطموحات، وبؤس المقارنات، وعنف الذات تجاه نفسها وتجاه الآخرين. كاظم مواسي يرسم لنا لوحة إنسان يرى نفسه من الداخل، يقيس نجاحه بصفاء قلبه لا بعدد التصفيقات.

حبّ الناس دستوري…

قد تبدو العبارة “حب الناس دستوري” سهلة وعادية في ظاهرها، لكنها في زمننا هذا إعلان ثورة. فمن منّا لا يتعب من الناس، من خياناتهم، من تغيراتهم، من تخاذلهم؟ ومع ذلك، يصرّ الشاعر على اعتبار حبّ الناس قانونه، لأن في الحبّ للناس استباق للخير، وإصرار على أن لا يفسد كره البعض نقاء الروح.

الطول والضعف… والبعد الرمزي

تأمّله في الطول والقصَر ليس مجرّد مقارنة شكلية، بل يحمل دلالة وجودية شديدة العمق:

“طويلٌ قد يضايقني ولا يدري
بأن الطولَ ضعفٌ مسّ أشجاري”

هنا كأنّ الشاعر يُحاور العالم الخارجي الذي يُبهر بالطول والقوة والمكانة، فيقول: كم من طويل ظاهريًّا، هشّ في الداخل، ضعيف الجذور، يظن أنه عظيم لأنه مرتفع، لكنه فارغ لأن روحه لم تتسع للعُمق.

وفي المقابل:

“قصيرٌ قد يطاولني ولم أقلقْ
فلست أرى مقاديري بأدواري”

فهو لا يخشى من الآخر، لأنه لا يُقارن نفسه به، ولا يقيس قيمته بالدور الذي يلعبه، بل بمقدار صدقه مع نفسه، ومقدار انسجامه مع قناعاته.

الدمعة والإكبار…

واحدة من أجمل صور النص:

“بسيطٌ كنت أذرف دمعتي دوماً
لآلام الخليقة دمعَ إكبارِ”

يا لها من دمعة نبيلة، ليست دمعة ضعف أو ذلّ، بل دمعة انحياز للإنسانية، دمعة تُعلن عن توقير الشاعر لألم الإنسان حيثما كان، وكأن هذه الدمعات هي صلاته الخاصة، واعترافه بنُبل الخليقة وسط وضاعة العالم.

البحر والمعنى…

في ختام القصيدة، نصل إلى أقصى تجلّي التصوّف الداخلي لدى الشاعر:

“كبيرٌ أحسبُ الأيّام أشرعةً
وأبحر في المعاني أيّ إبحارِ”

كأنه يقول لنا: لا تكبرني سنوات عمري، بل تكبرني قدرتي على الغوص في المعنى. وفي زمن كثرت فيه الكلمات، وتحوّلت فيه الأيام إلى تواريخ خاوية، تأتي هذه الصورة لتذكّرنا أنّ من يملك القدرة على “الإبحار في المعنى” هو وحده الحيّ وسط كثرة الأحياء.

في الختام…

“صدى الكلمات” ليست فقط قصيدة، بل مرآة شاسعة تنعكس فيها روح كاظم إبراهيم مواسي. شاعر يرى ذاته لا كحالة استثنائية، بل كجزء من نبض هذا الكون، يؤمن أن البساطة هي أعلى أشكال التعقيد، وأن الصفاء طريق النضال، وأن الحبّ هو أكثر القوانين إنسانية.

إنه شاعرُ الإنسان… لا يُجمّل الوجع لكنه يحتضنه، لا يرفع صوته لكنه يوصل صداه إلى القلب

شاهد أيضاً

9 شهداء من منتظري المساعدات برصاص الاحتلال شمال رفح ووسط قطاع غزة

9 شهداء من منتظري المساعدات برصاص الاحتلال شمال رفح ووسط قطاع غزة

شفا – استشهد 9 مواطنين وأصيب آخرون من منتظري المساعدات، اليوم الخميس، شمال مدينة رفح …